القاضي سالم روضان الموسوي
ان الشخص المعنوي هو مصطلح قانوني يستخدم كناية عن الدوائر والمؤسسات الرسمية بما فيها الوزارات والهيئات والمجالس وغير ذلك من التشكيلات التي تمثل مفاصل الدولة العراقية وأشار اليها القانون العراقي في المادة “47” من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 ، وكل شخص معنوي له من يمثله وعلى وفق أحكام المادة “48” من القانون المدني التي جاء فيها الاتي “يكون لكل شخص معنوي ممثل عن إرادته”.
ومن هذا النص القانوني فان رئيس الدائرة أو الوزير أو رئيس الهيئة او المجلس، فانه ممثل للشخص المعنوي ويعبر عن إرادته وليس مالكاً له أو متحكماً به لان هذه التشكيلات هي مرفق عام تتولى تقديم خدمة عامة وترتبط بالمواطنين والمجتمع بشكل عام، ومن بين المهام التي يتولاها المرفق العام هو الاتصال مع مستحقي الخدمة كما عليه واجب توفير الشفافية في عمله وإعلام الجمهور عن كل ما يدور في المرفق العام، والشفافية هي الوضوح في إدارة ذلك المرفق بجميع مفاصلها وتلغى فيها السرية أو الغموض أو الإخفاء العمدي لكل ما يتعلق بعمله، لان ادراة نشاطه لاتقف أثارها عند الموظفين العاملين فيه سواء كان الرئيس او سائر الموظفين، وإنما تتعدى الى المواطنين.
وبعد ظهور العالم الافتراضي “الرقمي” ظهرت المواقع الإلكتروني الرسمية لهذه الأشخاص المعنوية واغلبها مواقع موثقة، من الجهات التي تتولى إنشائها، وتكون مرجع مهم لكل مواطن في معرفة كيفية إنجاز معاملته مثلما يجري في موقع دائرة البطاقة الوطنية الموحدة او متابعة نشاط يختص به مثل متابعة الطعون في الأحكام والدعاوى التي تقدم إلى محكمة التمييز الاتحادية عبر الموقع الإلكتروني لمجلس القضاء الأعلى، وغير ذلك، وهذا الموقع الإلكتروني يدخل ضمن مفهوم الإعلام الرقمي الرسمي، لان المواقع الإلكترونية أصبحت تدخل ضمن مفهوم الإعلام الجديد.
وبذلك فان الموقع هو لإبراز نشاط المؤسسة أو المجلس أو الوزارة، وليس موقع شخصي يغطي نشاط الرئيس أو الوزير فقط، ويهمل نشاط سائر مفاصل وموظفي ذلك المرفق العام ويجب ان يدار الموقع من جهة فنية وإدارية مختصة تمثل المرفق بشكل عام وليس منفذة لرغبات الرئيس حصراً، ويجب ان تكون أمينة على نقل كل خبر يتعلق به إلى الجمهور، سواء كان الخبر يعبر عن إنجاز أو خذلان، كما تلزم بعرض كل ما يمثل مديحاً للمرفق أو نقداً له، لان ملكية الموقع الإلكتروني هي ملكية عامة ونفقات تصميمه وتشغيله وتوطينه في الشبكة الدولية (الإنترنيت) تدفع من المال العام ومن ميزانية الدولة.
لكن الذي يحصل ان بعض هذه المواقع الإلكترونية قد جنحت عن غاية وجودها، فأصبحت بمثابة صفحات شخصية تنادي باسم الرئيس وتدعوا له بطول العمر والبقاء المؤبد، ولا تلتفت إلى أي نشاط آخر في ذلك المرفق العام، كما لاحظتُ ان أي رئيس او وزير او مدير جديد عندما يأتي فانه يقوم بمحو كل اثر لمن سبقه، لابل تعدى الأمر إلى الغاء مضمون بعض الدراسات والأبحاث ذات الصبغة العلمية الصرفة، لان الرئيس لا يميل نحو كاتبها بمودة أو لأنها تتعارض مع ما يرى، ولربما انها تمثل له نقصاً في شخصيته العلمية حينما يكون عاجزاً عن مجاراة ما ورد في تلك البحوث والدراسات والمقالات المتخصصة، لكن بعض الأمور غير قابلة للمحو فتبقى أثارها شاخصة مهما عمل الرئيس أو بطانته.
وهذا بسبب سعة نطاق النشر المتاح عبر المواقع الإلكترونية والصحافة الرقمية، مثلما إنها أصبحت اكثر يسراً في وصولها إلى الجمهور، لكن من أثار الاستبداد هو العماء الفكري، الذي يجعل من هذا الرئيس أو ذاك الوزير يعمه في طغيانه حتى يقتله استبداده وعلى وفق ما قاله الأمام علي (ع) (منِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ)، والدليل على ذلك عندما تبحث في مواقع البحث الإلكتروني عن موضوع معين ويرشدك إلى موقع كان قد نشر دراسة او مقالة علمية، وعند زيارتك لذلك الموقع الرسمي تجد ان محتوى الدراسة او المقالة قد ازيل من منصة الموقع مع بقاء رابط عنوانه، والسبب ليس فني بل لان الرئيس أو الوزير لا يرغب في بقاء نشره مع انه لسنوات مثبت في الموقع، أو لان حسد الرئيس اعمى بصيرته تجاه اسم معين أو عنوان فكري محدد، فامر زبانيته بمحو كل ما يتعلق به من منصة الموقع الرسمي، وكأنما هو المالك الشخصي لذلك الموقع، وتناسى انه مجرد موظف مهمته تقديم خدمة للمجتمع عبر هذا الموقع باي عنوان وظيفي، وليس محتكراً أو مالكاً، وان مصيره الزوال أجلاً ام عاجلاً.
كما ان مثل هذا التصرف له أثار جانبية تمس المجتمع والمستوعب العلمي، لان الدراسة او البحث تعالج مشكلة عامة لا علاقة لشخص الرئيس بها، فضلاً عن ذلك عندما يتم قبولها في الموقع تصبح ملك للموقع ولا يجوز لأي شخص كان ان يتحكم به إلا عبر الإجماع الذي يحصل في مفاصل المرفق العام، كذلك في بعض الأحيان يقوم الرئيس أو الوزير المستبد بإزالة كل أثار من سبقه، ويبقي الموقع فارغاً من أي تاريخ للوزارة أو الهيئة الو المجلس الذي يتولى إدارته.
وهذا المرفق عمره أضعاف عمر ذلك المستبد بل بعض المرافق العامة عمرها اقدم من عمر الدولة العراقية التي احتفل بوبيلها الذهبي قبل أيام، وهذا يضر سمعة البلد قبل ان يضر من سبقه من الرؤساء والوزراء لان الموقع الإلكتروني هو مزار لكل الإفراد سواء في العراق أو خارج العراق كما ان اغلب المنظمات الدولية تنظر إلى المرفق من خلال موقعه الإلكتروني، ولديها معلومات عنه بشكل مفصل وعندما تجد ان الموقع قد تعمد الحجب واتبع التزويق للرئيس الحالي، فإنها بلا ادنى شك لا تثق بما يرد فيه، لابل إنها قد تجامل ولكنها في تقاريرها الرسمية توثق تلك الحالة، والخلاصة ان على البعض ان يعلم ان المرفق العام هو ملكية عامة وليس شخصية وعليه ان لا يجيرها إلى ملك صرف باسمه أو لأفراد معينين، سواء من الأقارب أو الأباعد الذين تربطهم سوء النية وقبح الهدف، وان كل ما يتصل بهذا المرفق هو ملك عام واي احتكار هو بمثابة سرقة أو استغلال نفوذ أو سوء استعمال السلطة.