القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
مع التطور المتسارع في جميع المجالات يتجه العالم بأسره نحو الحوكمة الإلكترونية واستعمال التكنولوجيا في الإدارة الإلكترونية، وذلك لمواكبة التطور والسرعة الهائلة في شتى مجالات الحياة، ويعد القضاء من السلطات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمواطن، لاسيما ان حق التقاضي مكفول دستورياً، في وقت يتجه فيه العالم برمته نحو الثورة المعلوماتية والاتصالات وظهور التجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني، وتقوم فكرة التقاضي الإلكتروني على تشبيك الاجهزة القضائية كلها وضمها في إطار تفاعلي واحد، وذلك يستلزم ابتداء أتمته عمل كل المحاكم على حدة وربطها معا لتؤدي عملها عبر الوسائل الإلكترونية ولتجري الاتصالات بين المحاكم، عبر الوسائل ذاتها.
لتقوم قواعد البيانات مقام الوثائق الورقية والملفات والإرشيف على نحو يتيح سرعة الوصول الى المعلومات وسرعة استرجاعها، والربط في ما بينها، وتقوم فكرة التقاضي الالكتروني على الانتقال من تقديم الخدمات والمعاملات بشكلها الروتيني الورقي الى الشكل الإلكتروني، وذلك عبر الانترنت وان ملفات الدعاوى الالكترونية تختلف عما هو موجود حالياً، فتزول الآلية التقليدية الورقية الى اجراءات الكترونية وتحل محلها آليات برمجية متطورة، تختلف من حيث الشكل والمضمون، كما تختلف آلية تقديم البيانات وهذا النوع من التقاضي يؤمن وجود المحكمة في كل مكان وفي كل وقت عبر شبكة الانترنت، الامر الذي يؤدي الى سرعة البت في الدعاوى وتوفير الجهد والمال على المتقاضين ويسمح التقاضي الالكتروني بادخار نشاط القاضي الذي يهدر كثير منه في تهدئة الخصوم وافهامهم طلبات المحكمة.
كما ان تبادل لوائح الدعوى عبر البريد الالكتروني وتبادلها بين الخصوم بإشراف القاضي تسهل على المحكمة في دراسة الدعوى ويسهم استخدام التقنيات الحديثة في زيادة عدد الدعاوى، التي ينظرها القاضي في اليوم الواحد لان تعامله سيكون مع المستندات الالكترونية في المراحل الاولى للدعوى، كما ان هذه التقنيات تسهل عملية تدقيق الدعاوى عبر الاتصال بملف الدعوى عن بعد وتمكن محاكم الاستئناف ومحكمة التمييز الاتحادية من الدخول الى ملف الدعوى الاصل عند اللزوم، من دون اعباء ولا مراسلات بريدية وان اجراءات التقاضي الالكتروني تتم من خلال تقديم عريضة الدعوى الى المحكمة عن طريق الانترنت.
ومن ثم دفع الاسم القانوني عنها وتسجيلها في سجل الدعاوى الالكترونية واجراء التبليغ الالكتروني للخصم وتبادل اللوائح الالكترونية بين الطرفين. وقد عمل القضاء العراقي نظام ارشفة لقرارات المحاكم وفي مقدمتها محكمة التمييز الاتحادية بما يمكن الاطلاع على القرارات التمييزية الصادرة في الدعاوى، ويرى كثير من معارضي التقاضي الالكتروني، بانه يلغي روح القانون، لاسيما اذا ما احتكمنا للآلية، فالخطر الاكبر يتعلق بالمساس بمبدأ حرية القاضي في الاقتناع ويتساءلون، كيف يمكن الاحتكام الى وجدان الحاسوب وكل ما تقوم به تحليل البيانات المخزنة لديه لإعطاء الحكم ويضيفون مأخداً آخر.
فالتقاضي الالكتروني يلغي حق المتهم في الاستفادة من المشاعر الانسانية للقاضي البشري وانها تمس بضمانات المحاكمة العادلة ومنها علانية الجلسات وبقاء قاعة المحكمة مشرعة امام الجميع، وهناك من يجد أن التقاضي الالكتروني يشكل خطرا على اجهزة العدالة، إذ تجهر على السر المهني وتهدد بالخطر خصوصيات الافراد في ظل تنامي ظاهرة التعدي المعلوماتي بما يفتح المجال امام ضعاف النفوس بالتلاعب بالأدلة وتغييرها لصالحهم، فلم يعد صعب اختراق اشد انظمة المعلوماتية تعقيدا، وتماشيا مع التطور في مجال تكنولوجيا المعلومات، انجز قسم التكنولوجيا والنظم في مجلس القضاء الأعلى “نظام ادارة القضايا”.
والذي يحول العمل الورقي الى الكتروني في جميع محاكم البداءة في استئنافي الكرخ والرصافة، وسوف يخفف العبء عن كاهل المواطن ويقلص الاجراءات الروتينية، حيث بإمكان الاستفسار عن الدعوى الخاصة به من خلال من خلال المنصات الالكترونية، كما ان العمل قد جرى بعقد الزواج الالكتروني والضبط الالكتروني في جميع المحاكم والارشفة الالكترونية، كما تسهم الاتمتة في الاستغناء عن الارشيف القضائي الضخم ويستبدل به ارشفة بسيطة باستعمال اقراص ليزرية ونسخ احتياطية عنها تتسع المعلومات لجميعها ولا تشغل الأحياز مكانياً بسيطاً، بدلاً من المخازن الضخمة التي تشغل أماكن واسعة، وفي الوقت ذاته يقلل هذا الاستخدام من فقد ملفات الدعاوى او تلفها، ومن جهة اخرى تخفف اجراءات التقاضي الإلكتروني من الازدحام في المحاكم والمشاحنات بين الخصوم، خصوصا في دعاوى الأحوال الشخصية.
كما تغلق ابواب التخلف عن حضور الجلسات لإطالة آمد التقاضي وان الابتكار الذي يسجل للتقاضي الإلكتروني، يكمن في ادخال الوسائل الالكترونية في العمل القضائي وفي مباشرة اجراءات التطوير في العمل القضائي ونقله نوعيا من الاطر اليدوية الورقية الى الاطر التقنية الالكترونية المتقدمة، كما ان من الضروري تحديث التشريعات القانونية بما يمكن تطبيق اجراءات التقاضي الالكتروني والتقاضي عن بعد، لاسيما في قانون المرافعات المدنية واجراءات التبليغات القضائية الالكترونية، وكذلك في ما يتعلق بقانون الاثبات العراقي وكيفية التعامل مع المستخرجات الالكترونية في اثبات الدعوى والتوقيع الالكتروني وبوابة الدفع الالكتروني لاستيفاء الرسوم القضائية، وان التطور في التعاملات الالكترونية واستعمال الارقام الالكترونية تتطلب تطوير تسوية المنازعات، خصوصا مع تطور المحررات الالكترونية والتحكيم الالكتروني .