الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي
استاذ الإعلام الرقمي بجامعة بغداد.
أصبح الذكاء الاصطناعي أحد الأدوات الرئيسية لتحليل الصور الإعلامية، مما يتيح فهماً أكثر عمقاً لمحتواها وتأثيراتها ومضامينها، حين صارت الصورة تحدث ثورة جديدة في الاتصالات عبر الإنترنت، حيث يتم تبادل الملايين من الصور يومياً عبر الوسائط الرقمية، الأمر الذي دفع إلى استخدام أدوات الذكاء الإصطناعي، التي عملت على تحليل تلك الصور، حين لم يعد تحليل الكلمات وحده كافياً، وصارت هناك حاجة لفك تشفير الصور، التي تحوّل اهتمامها من التعرف على الصور لأغراض التسويق في البداية الى التعرف على الوجوه، والروبوتات، ومجالات العلوم كلها، الأمر الذي يجعل من تحليل الصورة الإعلامية أمراً ضرورياً بالنتيجة.
تعريف الذكاء الاصطناعي
يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بانه “العلم الذي يهتم بأتمتة السلوك الذكي للفعل والتصرف على حد سواء”، أو “العلم الذي يتيح لبرامج الحاسوب ان تؤدي عملها وفق سلوك ذكي، طموحاً يحاكي سلوك الإنسان الذكي”، وهو “مجموعة تقنيات وأساليب حل لمشاكل معينة تحاكي سلوكيات ذكية مستنبطة من الانسان او الطبيعة، تجعل من ذلك الحل ذكياً، متغيراً مع متغير معطيات المشكلة”، وفهو “برمجة تقنيات تحل المشاكل بالطريقة التي تجعل ذلك الحل يبدو متطوراً على الدوام، بحيث يعالج تغيرات المشكلة حيثما تغيرت، قدر الإمكان”.
ولتصنيف الذكاء الاصطناعي، يمكن النزول الى قمسين رئيسين، يمثلان أبرز مستوياته، هما:
- الذكاء الاصطناعي الضيق (الضعيف): والذي ينوه بأنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة، والقادرة على اداء مهام محدد، غير انها تقتصر على المجال المحدد الذي تم تصميمه من أجلها، وتبقى تفتقر الى الفهم الحقيقي والوعي، حين لا يمكن اعمام معرفتها على مهام خارج تلك المخصصة لها.
- الذكاء الاصطناعي العام (القوي): الذي يشير الى انظمة الذكاء الاصطناعي التي تتميز بقدرات معرفية شبيهة بالقدرات البشرية، تمتلك القدرة على الفهم والتعلم، وتطبيق المعرفة عبر مجموعة واسعة من المهام المشابهة للذكاء البشري، حين يمكنها التفكير وحل المشكلات، ويمكن ان تكون لديها ما يعرف بالوعي الذاتي، الذي مازال ضمن هذا التصنيف نظرياً، وهو الذكاء الذي يخشى منه مستقبلاً.
تحليل الصورة الإعلامية
يمكن عد تحليل الصورة الإعلامية المجالات المهمة لفهم كيفية تأثير الصور على الجمهور، ويتمثل الغرض الرئيس في الكشف عن الرسائل الضمنية، وتحليل التحيزات، وتقييم تأثير الصور على المتلقين، وبذا هو يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها: فك شفرات الرموز البصرية، عن طريق تحليل العناصر العاكسة لقيم أو أفكار معينة، والكشف عن التلاعب الإعلامي، بغية التعرف على الصور المعدلة أو المزيفة، لاسيما بعد انتشار تقنيات التزييف العميق، وتحليل التوجهات الإعلامية، عبر دراسة استخدام الصور لتعزيز أيديولوجيات أو سياسات معينة، للمؤسسة الإعلامية.
تحليل المحتوى الإعلامي
يشير اعتماد الاعلام على أحدث الأقمار الاصطناعية، التي تتجاوز سرعة الانترنت فيها ما بعد الالف ميكا – بايت، واستعمال كاميرات التصوير متعددة الابعاد بصورة فائقة وأوضح واشمل من رؤية العين المجردة، وتوظيف آلاف الروبوتات لتغطية الاحداث في الأماكن فائقة الخطورة، مثل مناطق الحروب والحرائق وقاع البحار، إلى اهمية اعتماد ادوات الذكاء الاصطناعي في الاعلام بشكل عام.
لقد أفضى الاستخدام المتزايد لأدوات الذكاء الاصطناعي في الاعلام، الى ما يعرف بصحافة الذكاء الاصطناعي، التي يمكن بوساطتها الإفادة القصوى من تحليل البيانات الضخمة، بشكل عام، إذ يمكن لوسائل الاعلام خلال العشرة اعوام المقبلة الاعتماد على المعلومات والبيانات وتحليلها من مصادر مثل: كوكل ومايكروسوفت، وشبكات التواصل الاجتماعي، ومواقع التسويق والخدمات والرحلات، وحجز الفنادق، للتعرف على جمهورها المحلي، ومطالعة تفضيلاته ومستوياته الثقافية والتعليمية والمهنية.
ويجري توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل الصورة الإعلامية عبر مجموعة من المناهج الرقمية تتمثل في:
أولاً: منهج التعلم العميق
يمثل التعلم العميق شكلاً من أشكال الذكاء الاصطناعي المستمدة من التعلم الآلي، ويرتكز على مجموعة من الخوارزميات، التي تشمل عدة تقنيات، كالشبكات العصبية الإصطناعية، المحاكية للخلايا العصبية البشرية، إذ استوحت الشبكات العصبية الاصطناعية مبدأها عن طريق عمل الدماغ البشري، فهي تتكون من عدة خلايا عصبية إصطناعية، مرتبطة ببعضها.
وكلما زاد عددها، كلما كانت الشبكة أكثر عمقاً، ويمكن عد منهج التعلم العميق أحد أكثر التقنيات فعالية في تحليل الصور الإعلامية، حيث يعتمد على الشبكات العصبية العميقة، لاستخلاص السمات وتفسير الصور بطرق دقيقة.
ويتجه تحليل التعلم العميق إلى تحليل الرموز البصرية، لاكتشاف الرموز والمفاهيم الكامنة في الصور الإعلامية، من قبيل: تحليل الصور الإعلانية، لفهم الرسائل المتعلقة بالمنتجات أو الجمهور المستهدف.
وتصنيف المحتوى بتبويب الصور الإعلامية إلى فئات، بناءً على الموضوع، مثل الأخبار الرياضية، السياسية، أو الاجتماعية، فضلاً عن الكشف عن التلاعب الإعلامي الرقمي، بالتعرف على الصور المزيفة باستخدام تقنيات متخصصة، مثل تحليل الضوضاء والتوقيعات الرقمي.
ومن أبرز أدوات هذا منهج التعلم العميق: أدوات تصنيف الصور: يتم تصنيف الصور إلى فئات بناءً على محتواها باستخدام نماذج، ومنها: (VGG)، وأدوات الكشف عن الكائنات: تحديد مواقع الكائنات داخل الصور، باستخدام نماذج، مثل: (YOLO)، وأدوات تجزئة الصور: تقسيم الصورة إلى مناطق بناءً على خصائص معينة، كما في نموذج: (U-Net)، المستخدم في الطب.
ثانياً: منهج النماذج التوليدية:
يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي مجموعة فرعية من الذكاء الاصطناعي،يركز على إنشاء أو صياغة محتوى جديد، ويتضمن نماذج تدريب لتعلم الأنماط من تالبياناتالمتوفرة، ثم استخدامها لإنتاج محتوى جديد وأصلي يناسب نفس النمط او التوزيع.
وهنا.. تعد النماذج التوليدية من نماذج الذكاء الاصطناعي التي يجري استخدامها لتوليد بيانات جديدة، تشبه البيانات التي تم تدريب النموذج عليها، وتستخدم في معالجة الصور، حين يجري استخدامها لتحليل الصور الإعلامية من خلال إنشاء صور مشابهة أو الكشف عن التلاعب في المحتويات الصورية المتاحة.
وبذا، يعمل هذا المنهج على الكشف عن التزييف العميق، باكتشاف الصور والفيديوهات المُصنعة باستخدام تقنيات التزييف العميق، إلى جانب إعادة بناء الصور المفقودة، لإستعادة الصور الإعلامية التالفة أو غير المكتملة، وكذلك تحليل التأثير البصري، بدراسة التأثير العاطفي للصور على الجمهور باستخدام الصور التوليدية.
ثالثاً: منهج تحليل المشاعر والتوجهات:
تعتمد أدوات هذا المنهج على توظيف تقنيات الشبكات العصبية المتكررة، أو النماذج التحويلية، بهدف تحليل الصور الإعلامية لفهم الرسائل العاطفية والتوجهات السياسية، وبذلك يتم تحليل التأثير العاطفي، بدراسة كيفية تأثير الصور على مشاعر الجمهور، مثل السعادة، الغضب، أو الحزن، إلى جانب تحليل التحيز الإعلامي، والكشف عن الانحيازات الأيديولوجية، عبر تحليل الصور المستخدمة في التقارير الإخبارية.
رابعاً: النماذج متعددة الوسائط:
تدمج هذه النماذج بين أنواع مختلفة من البيانات، مثل الصور والنصوص، لفهم أكثر شمولية، ومنه نموذج (CLIP) للذكاء الإصطناعي، الذي يربط بين النصوص والصور لفهم العلاقة بينهم، وتمثل أدوات هذا المنهج تمثل تطوراً مهماً في عملية تحليل الصورة الإعلامية.
وتجمع هذه النماذج بين البيانات البصرية وبين النصوص، لفهم العلاقة بين الصورة والتعليقات أو النصوص المرفقة، لتحليل النصوص المرافقة للصورة، لفهم العلاقة بين الصورة الإعلامية والعناوين المصاحبة، إلى جانب كشف التناقضات البصرية-النصية، لتحديد ما إذا كانت النصوص المرفقة تتوافق مع محتوى الصورة أو تقدم معلومات مضللة.
ومن بين أدوات هذا المنهج: أدوات البحث في قواعد البيانات البصرية باستخدام النصوص، وأدوات إنشاء الأوصاف النصية الدقيقة للصور، فضلاً عن أدوات تحليل الصور ضمن سياقاتها النصية.
خامساً: منهج تحليل الشبكات الاجتماعية:
تُستخدم أدوات الذكاء الإصطناعي، ضمن هذا المنهج لتحليل الصور المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي لفهم كيفية انتشار الرسائل الإعلامية، بالكشف عن الصور الفيروسية، عن طريق التعرف على الصور الأكثر تأثيرًا وانتشارًا في الحملات الإعلامية، وتحليل الجمهور المستهدف، بدراسة أنواع الصور التي تجذب الفئات المختلفة من الجمهور.
سادساً: منهج التعلم بالنقل:
تقوم فكرة ادوات التعلم بالنقل للذكاء الإصطناعي، على استثمار المعرفة المكتسبة، من تدريب نموذج على مهمة معينة، بوصفه المصدر، وتطبيقها على مهمة محددة أخرى ذات صلة، وهي تمتاز عن التعلم العميق، بأنها تحتاج الى كميات بيانات قليلة، بالقياس الى البيانات الضخمة، التي يحتاجها التعلم العميق، في وقت يكون التعلم الآلى التقليدي بحاجة الأ لبيانات كافية، وبذا هو يمتاز بمرونة تمكنه من تخصيص مهام جديدة بتكاليف زمنية وحسابية أقل.
ويعتمد هذا المنهج يعتمد على استخدام النماذج المدربة مسبقاً على مجموعات بيانات ضخمة وتكييفها لتطبيقات جديدة، ويُستخدم لتوفير الوقت والموارد اللازمة، لتدريب نماذج معينة من البداية.
وتتمثل آليات عمل أدوات هذا المنهج، بتحميل نموذج مدرب مسبقاً، ويجري تحديد الجزء الخاص باستخلاص السمات، ومن ثم استخلاص الجزء النهائي للنموذج ليتناسب مع التطبيق المطلوب، ويمكن الإفادة منه في تحسين أداء النماذج بالبيئات ذات البيانات المحدودة.
أحداث ذات صلة:
فيديوهات ذات صلة: