الدكتور محمد اكرم آل جعفر
غزت حياتنا العوالم الرقمية حتى عدت لازمة شخصية لمختلف الفئات العمرية ولكلا الجنسين في تجوال ذهني وفكري لا ينقطع على مدار الساعة عبر شبكة الانترنيت المتجاوزة لحدود الزمان والمكان عبر الكلمة والصوت والصورة حتى عدت تشغل حيزا كبيرا من حياة الانسان، وتلامس معطياتها بآثار جاوزت الحدود المنطقية فبين مصباح يستنار به للحصول على العلم والتعلم وبين ظلام دامس يقود الى الهاوية في معطيات الاسفاف والانحدار الاخلاقي والمجتمعي وانتهاك المنظومة القيمية الاجتماعية.
وتزامن مع هذا الانفتاح تولدات رقمية وبرمجية لمواقع التواصل الرقمية بلا قيد او شرط حتى عدت بمتناول الجميع واطلاق الالقاب بما تهوى النفس وتشتهي، اذ تبنى عدد كبير من مشاهير المواقع وما يطلقون عليهم بصانعي المحتوى وجهات نظر تجاوزت عجائب الدنيا من غرائب وعبر تفاعل خيالي من المتلقين.
حيث سمت على جزءا كبير لا يستهان به طابع الانحدار القيمي المجتمعي عبر مضامين ساذجة تخلوا من القيم الاخلاقية والاعراف السائدة عليها في مجتمعنا فمنهن من تستخدم الجسد والاثارة والملبس وتبني العهر والدعارة عبر التصرف واللفظ لجذب متابعين مراهقين وايصال رسائل الاسفاف والفجور وهناك من يعمد الى نشر الرذائل والتنمر على الآخرين بمقاطع فيديوية وتوظيف مصطلحات لفظية غريبة.
حتى انتشرت واصبحت على لسان الصغير قبل الكبير ومن ثم الاستهتار بمشاعر وحياة الآخرين وعدها وسيلة للتنمر على الاخر وفي تنابز بينهما متجاوزا كل المألوف واللا مألوف من الانحطاط والاستهتار عبر انفلات دون رقيب او حسيب، مما ترك آثارا على البنية المجتمعية ودفعت الكثير الى الدخول الى هذا العالم وعبر الجانب المظلم بل تجاوزت حدود الفرد الى حدود العائلة باشراك الاب والام والاخ والاخت في تفاهات هذا العالم.
والمتطلع المختص المتابع يقبع تحت صورة ذهنية بان هذا العالم الغريب لصانعي المحتوى كانه ممنهج لغايات هدامة لبنى لبنات المجتمع وفئاته، فاصبح البث المباشر عبر مواقع التواصل وتوثيق مقاطع الفيديو الساذجة دلالة تحمل شكل ومضمون مهتم بالمحتوى السيء الصيت التي اسهمت في اثارة النعرات والمشاكل ومن ثم شيوع ثقافة الابتزاز الالكتروني التي كانت شرخ كبير بإشكاليات وصلت حد القتل وازهاق الارواح والانتحار وعالم الجريمة مع اشاعة التفكك الاسري وسيادة الامراض الاجتماعية بين الافراد باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي كونها ذات فعالية كبيرة لتحقيق الاتصال بين المجتمعات في تشويه وجهات النظر بين الرأي والرأي الآخر المعتمد العشوائية والفوضوية ومغادرة المألوف الى الهاوية في عالم افتراضي افسد الذائقة بجمع شمل الذكور والاناث ولمختلف الاعمار والفئات التعليمية بهدف تضليل وتزييف وتحريف الرأي العام والموروث الاخلاقي.
وهنا لابد لذوي التشريعات والتطبيقات اتخاذ اجراءات وقائية عبر نشر ثقافة قبول واحترام الاخر والمجتمع وعدم تجاوز المنظومات الاجتماعية السائدة واخرى قانونية رادعة وتشريعات صارمة لحفظ وحماية المجتمع، اذكاء مفهوم حرية التعبير والتفكير منطقياً واخلاقياً، ألم يحن الوقت تدارك هذا “السرطان الخطير”، الذي بدأ يفتك بالجيل الجديد عماد المستقبل وتبني مفاهيم صنع محتوى يرتقي بالإنسان ويتبنى المصداقية والتصدي لما كل يسوء بالفرد والمعلومات التي تثري الروح والفكر وفي الحقيقة.
وانا كمتلقي ومتابع للعالم الرقمي هناك اشكالية كبيرة لابد ان يعيها الجميع فنحن لا نعيش في عالم وردي محققا للعدالة والتوازن لابد من مواجهة امراض اجتماعية خطيرة تعصف بالمجتمع والكل جزءا منها ويخضع لها بوضع حلول منطقية وواقعية بعيدة عن الاحلام والترويج الوهمي بالوصول الى مصدر ومسسببات لها التي تعصف بالمواطن.