الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس ادارة المسار الرقمي العراقي
نُشرت بجريدة “الصباح” في العدد: 5302 في 3 كانون الثاني 2022
هل تولي ادارات المواقع الإلكترونية العراقية عناية باختيارها للألوان ضمن الهوية البصرية للموقع، وهل تكون تلك العناية -ان وجدت أصلاً- ذات علاقة بالخصائص الديموغرافية لفئات المستخدمين المستهدفين، لاسيما مع عدم اعتماد المؤسسات والشركات المحلية على نتائج تحليل البيانات الرقمية او تحديد الجمهور المستهدف في صياغة رسائلها الإلكترونية وتصميم أوعيتها؟
من منطلق ان الهوية البصرية هي إحدى أدوات الاتصال البصري الذي توظفه المواقع الإلكترونية لتحقيق أهدافها، فانها يمكن ان تمنح المنظومة ”الغرافيكية“ الترميز الواضح والمعبر عن طريق الخطط التصميمية طويلة المدى، ومن هنا ينبغي ان يكون ”بناء الخصوصية“ للهوية البصرية مرتبطاً بمقدمات موضوعية، وغير عشوائية، الامر الذي نجد فيه أهمية اطروحتنا هذه.
تهدف الهوية البصرية الى جعل الاستراتيجية والبناء والمحتوى الذي يقوم عليه الموقع الالكتروني مرئياً للمستخدمين المستهدفين، وبذا فهي تسعى إلى التميز والتعريف بالموقع، وابرازه بين العديد من المواقع الأخرى المتاحة للعيان، وترمي الى التأثير في الاتجاهات والسلوكيات لدى المتلقي، بما يتوافق مع الاهداف العامة للموقع نفسه.
وبذا تتمحور اهدافها بشكل عام في توفير الرؤية والتعريف والتميز، وتسهم في تكوين الصورة الذهنية للموقع، وعن طريقه للمؤسسة التي يعود اليها، لدى المستخدمين المستهدفين، كما انها تعكس بصرياً المضامين التي يجري التعبير عنها عبر محتويات رقمية متعددة (فيديوية/ نصية: ”طويلة قصيرية“/ صورية/ غرافيكية: ”انفوغرافيك – فديوغرافيك – موشن غرافيك“/ صوتية).
عوالم لونية!
يكون اللون في المواقع الإلكترونية بمنزلة ”الهوية“ التي تميزه عن غيره من المواقع، ويمتد اثرها حين يبدأ المستخدم بالربط البصري مع الألوان الموجودة من حوله، وتذكّره بالموقع عينه، ويرتبط استخدام اللون بثلاثة تأثيرات رئيسة، هي: “تأثيرات ذات قيمة تشكيلية”، تختص ببحث الزوايا التي تتعلق بعلم الجمال، و”التأثيرات السيكولوجية”، المرتبطة ببحث تأثيرات اللون على نفسية الفرد وسلوكياته، الى جانب “التأثيرات الفيسيولوجية”، التي تعنى ببحث تأثير اللون على جسم الفرد.
وتشير الدراسات الى ان للألوان قوة وطاقة، تتضمنها حزمة الدلالات لكل لون، وان اختلفت معاني تلك الدلالات في عدد من الحالات بين مجتمع وبين آخر، وهي تؤثر بالنتيجة في الأمزجة والعواطف، ومن ثم السلوكيات الشخصية، وينوّه علم الألوان وسيكولوجياتها بوجود دلالات عامة للألوان، على الرغم من التباينات التي تم ذكرها.
وهو الأمر الذي ينبغي تكرسيه بشكل صحيح في تجسيد الهوية البصرية للمواقع الإلكترونية، التي تمثل بمجملها “البراند” أو العلامة التجارية له، ويكون اللون احد أبرز عناصرها، لاسيما انه يمكن ان يؤثر بنسبة تزيد على 80% في قرارات المستخدمين المرتبطة بالتعامل مع منتجات الموقع، بحسب تلك الدراسات، فيما يمكن ان يكوّن العنصر المذكور نحو ما نسبته 70% من تقييمه الأساس لتلك المنتجات، وما يرتبط بها من صورة المؤسسة الرئيسية التي يعود إليها الموقع.
وتضيف: على المستوى الأساس، تؤثرالألوان في نظرة المستخدم لشخصية العلامة التجارية التي أمامه، وطبيعتها والمغزى منها، لذا يكون من الأهمية اختيار الألوان المناسبة عند تصميم الشعارات والمنتجات ومن ثم الهوية البصرية بشكل عام، التي تنقسم بموجب ما يعرف بعجلة الألوان إلى الفئة الدافئة ممثلة بألوان “الأحمر، الأصفر، البرتقالي ودرجات اللون الوردي”، التي تعطي شعوراً بالدفء كونها فاتحة بشكل عام، ولارتباطها بألوان الشمس، كما تمنح إحساساً بالتفاؤل والحماس والشغف.
وهناك الفئة الباردة التي نجدها في ألوان “الأخضر، الأزرق، والبنفسجي بكل درجاته”، نظراً لتواجدها عادة في الطبيعة وتمتاز بأثرها الأيجابي في النفس، وهي هادئة تبعث بالاسترخاء والشعور بالراحة، فيما تقف بينهما “الفئة المحايدة” من ألوان “البني، الأبيض، والأسود وكل درجات الرمادي”، إذ تمتزج عادة مع الألوان الدافئة أو الباردة، غير انها تعد من “الألوان المعقّدة” وتمتاز بكونها قوية ونقية، وهي تعرف بألوان “درجات الأرض”.
أحمر أزرق..!
اللونان الأحمر والأزرق يعدان الأكثر شيوعاً واستخداماً في المجالات الحيوية إلى حد ما، لدوافع فنية ونفسية ودلالات تأريخية، لذا تحتوي أغلب أعلام بلدان العالم على سبيل المثال على اللون الاحمر، فيما نجد ان اللون الأزرق يكاد يكون السمة السائدة لأغلب عناصر الهويات البصرية للمواقع الإلكترونية، وحتى التطبيقات الرقمية، ومنه ما يجري لدينا في العراق، لذا وجدنا من الاهمية ان يكون لهذين اللونين اهتماماً خاصاً في رؤيتنا للهوية البصرية.
يعد المختصون اللون الأحمر لون المشاعر القوية، من قبيل “الغضب والتضحية والخطر والحرارة والشغف والحب الملتهب، كما انه لون النار والدم فضلاً عن ارتباطه الوثيق بقيم الحب، فهو حيوي ويرمز للقوّة والثقة والسلطة كذلك، الإ ان دولاً آسيوية مثل الهند والصين، تعدّه رمزاً للسعادة والصحة والحظ السعيد، لذا تؤخذ في عين الاعتبار عند تصميم مواقع أو منتجات تستهدف مستخدمين في تلك الدول مثل تلك الدلالات.
يرتبط اللون الوردي بالأنوثة، ولهذا السبب فهو يستخدم غالبا لزيادة الوعي بسرطان الثدي أو المواقع التي تستهدف المستخدمات من النساء، وللوردي درجات متعددة، لكلّ منها دلالة محددة، فالوردي الفاتح يستخدم مع الفتيات الصغيرات، والوردي المغبر يعبّر عن الرومانسية والعاطفية في حين أنّ الوردي الفاقع يرمز للشباب والنضارة.
أما اللون الأزرق فاهميته تعود إلى انه من أكثر ألوان الأشياء من حولنا، فالسماء زرقاء وكذلك المساحات المائية، وقد استخدم منذ زمن طويل للتعبير عن العائلات المالكة والفنون والأعمال وكذلك الطبيعة، وتستخدمه بالتالي العديد من التطبيقات في التصميم وبناء الهوية البصرية، ويستخدم للتعبير عن الموثوقية وكذلك عن التواصل الأمر الذي دفع فيسبوك وتويتر وسكايب وغيرها إلى توظيفه بشكل واضح، وهو من الألوان التي يعطيانطباعاً بالراحة والاسترخاء والتناغم مع الطبيعة المائية والبحرية، الا ان الحذر منه يكون مع درجاته الغامغة، لدلالاتها في الحزن والاكتئاب، وهو ما يوجب الحذر الشديد في تحديد درجته في الهوية البصرية للموقع الإلكتروني.
وتعد الدراسات اللون البنفسجي أو الأرجواني “منخفض الاستثارة”، وهو يرتبط غالباً بالملوك أو الجلالة أو النبل، فضلاً عن امتلاكه صفة روحية أو غامضة، لذا عادة ما يُستخدم البنفسجي الغامق في التصميم للإشارة إلى الفخامة أو البذخ، في وقت تستخدم فيه الدرجات الأفتح للتعبير عن المنتجات الأنثوية والعاطفية أو لإيصال رسائل الحنين إلى الماضي، ويكون من الافضل استخدام البنفسجي عند استهداف جمهور من الإناث كونه المفضّل لدى الكثير من النساء، في حين أنّ الذكور لا يأتون على ذكره بالمرة.
أسود وأبيض
على مقربة من الأزرق، يخطر إلى الأذهان اللون الأسود، الذي يعبر من ناحية عن القوّة والفخامة والتعقيد، ومن جانب مقابل يرمز للشرّ والموت والغموض، وتتباين دلالاته من الرسمية والقوة إلى الحزن والحِداد، ويعد لوناً قوياً يمكن استخدامه ودمجه مع العديد من الألوان الأخرى لإيصال رسائل متعددة، فمزج الأسود مع الذهبي يضفي لمسة من الأناقة والرُقي، واستخدامه مع الأبيض يعبر عن البساطة والوضوح، وتمارس درجة لمعانه أو انطفاءه دوراً في الرسالة التي يتم ايصالها للمستخدمين.
ويرتبط ذكر الأسود باللون الأبيض، الذي يوحي بالبساطة والنقاء والبراءة والكمال ويمنح شعوراً بالحياد، لذا يستخدمه الكثير في التعبير عن النظافة والعصرية والبساطة، الا انه قد يكون من الصعب إضافة أية معان أخرى له عند استخدامه لوحده في الهوية البصرية للموقع الإلكتروني، لذا يتم الحرص دوماً بأن تكون الرسالة التي يراد ايصالها للمستخدمين ذات علاقة بالبساطة والنقاء والشفافية.
لكن ماذا عن الألوان المتعددة، ولمّ استخدمت google على سبيل المثال تلك التعددية في هويتها البصرية التي يراد لها ان تتوجه إلى مستخدمين مختلفين على مستوى العالم؟
في العادة، تستخدم الألوان المتعددة للتعبير عن التنوّع والاختلاف في الأشخاص أو الثقافات أو المجتمعات أو حتى الخدمات المقدّمة، الأمر الذي نجده جلياً مع شعارات الألعاب الأولمبية الدولية، وهو ما يستدعي الحذر الشديد في التعامل معها، لاسيما ان “نظرية الألوان” تحتاج للكثير من الدراسة والتعمّق، لدلالات الالوان المتعددة، ومنها اللون الأصفر الدال إلى التفاؤل والسعادة والمرح، والأخضر الذي يشير إلى الطبيعة والحياة والأناقة والثروة، والبني المستخدم في المنتجات العضوية وهو يعني كذلك التكامل والبساطة والصدق.
الهوية العراقية
يتطلب اختيار اللون ضمن الهوية البصرية للمواقع الإلكترونية العراقية، التي تشوبها العشوائية والنسخ والتكرار، مراعاة مجموعة من العناصر لارتباطه سيكولوجياً بمضامين هذا الموقع وأهدافه العامة، وتلك العناصر ينبغي ان تكون ذات صلة رئيسة بالعناصر الديموغرافية للمستخدمين المستهدفين، وهي تستدعي مراعاة رمزية استخدام اللون، حتى لا يؤدي الى نتائج عكسية غير محسوبة..!
لاسيما اذا كان للموقع ذات امتدادات عالمية، فاللون البنفسجي على سبيل المثال يرمز الى الغموض والروحانية في الولايات المتحدة، بينما ينوه بالحزن والموت في البرازيل، كما تتطلب ايجاد تأثيرات نفسية، اذ يمكن للون ان يولد تأثيرات معينة في نفس المستخدم تشير الى عدد من المعاني المرتبطة بحياته، مع الإشارة إلى ان هذا كله يساعد على التذكر ويعمل على تداعي المعاني، حين يمكن للون استدعاء ما سبق ان رأته العين من خلال دلالات هذا اللون، وهي ما يوجب الابتعاد عن التفضيلات الشخصية لأصحاب القرار في مواقعنا الالكترونية بشكل عام للحصول على هوية بصرية معبرة لتلك المواقع.