الخبير الدولي ضياء ثابت/ اليونسكو
الجزء الاول – المقال ضمن وقائع العدد الأول لمجلة “المسار الرقمي”
الصحافة الرقمية، والمعروفة أيضًا بشكل خاطيء بالصحافة الإلكترونية، هي الشكل المعاصر للصحافة، إذ يتم تحرير وانتاج وتوزيع المحتوى التحريري عبر الإنترنت، بدلاً من النشر عبر الطباعة أو البث التقليدي. لاتزال النقاشات محتدمة حول الاطار المفاهيمي للصحافة الرقمية؛ وهل هي تقديم المنتج الأساسي للصحافة بطريقة رقمية، او هي انتاج الأخبار والاحداث والمعلومات في الشؤون الجارية، أو معالجة المحتويات المعلوماتية مجتمعة كنص أو صوت أو فيديو أو بعض الأشكال التفاعلية مثل ألعاب والأخبار. وهل تقتصر الصحافة الرقمية على مهمة نشرها من خلال تكنولوجيا الوسائط ام عبر المنصات الخاصة بالاتصالات والخدمات المناظرة.
ان الحواجز الأقل أمام قدرة الوصول لدى المستخدمين ومنتجي المحتوى الرقمي واعتماد وسائل الاعلام التقليدية على هذه الوسائط، وانخفاض تكاليف الإنتاج والتوزيع، مع تنامي مردودات العالم الرقمي وتطور تقنيات شبكات الكمبيوتر المتنوعة قادت إلى ممارسة الصحافة الرقمية على نطاق واسع وتحولها من نمط تقليدي الى اخر متقدم. وقد أضفى تدفق المعلومات الحر على الديمقراطية التي كانت تسيطر عليها في السابق وسائل الإعلام التقليدية بما في ذلك الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون، تغيرا كبيرا جدا فاندمجت الانظمة السياسية رغما عنها في اطر المجتمعات الرقمية مما حول انتباه الصحفيين الى هذا القطاع الواسع.
يرى البعض أنه يمكن ممارسة قدر أكبر من الإبداع ضمن مساقات الصحافة الرقمية اذا ما قارناها بالصحافة ووسائل الإعلام التقليدية. وقد يكون الجانب الرقمي محوريًا في الرسالة الصحفية ويظل إلى حد ما ضمن التحكم الإبداعي للكاتب والمحرر و / أو الناشر.
أظهر استطلاع Pew لعام ٢٠٢٢ انخفاض الوقت الذي يقضيه الناس بمتابعة المواقع الإخبارية التقليدية الى ما دون ١٢٪ وارتفاع نسبة المتابعة عبر الإنترنت بنسبة ٨٨٪ .
نظرة شاملة
لا يوجد اتفاق مطلق على ما يشكل اليوم قطاع الصحافة الرقمية. ويجادل مجتمع الاكاديميات الخاصة بالاتصال والمعلومات بأن “الويب والأنظمة الأساسية للجوّال تطالبنا بتبني عقلية خالية من النظام الأساسي من أجل نهج إنتاج شامل – إنشاء المحتويات [الرقمية] أولاً ، ثم توزيعها عبر الأنظمة الأساسية المناسبة ثانياً.” وإعادة استخدام محتوى الطباعة بالنسبة للجمهور عبر الإنترنت يكفي للبعض، بينما يحتاج البعض الآخر إلى محتوى تم إنشاؤه باستخدام ميزات الوسائط الرقمية الفريدة مثل النص الرقمي متعدد الميزات السهل الاستخدام والمرن من حيث المعالجات واعادة النشر.
ان الوسائط المتعددة مكنت من التفاعل الاني وهو جوهر الصحافة الرقمية. فالصحافة عبر الإنترنت يمكن تمييزها وظيفيا عن أنواع الصحافة الأخرى من خلال مكونها التكنولوجي الذي يجب على الصحفيين مراعاته عند إنشاء أو عرض المحتوى. قد يتراوح العمل الصحفي الرقمي من المحتوى التحريري المحض مثل CNN (التي ينتجها صحفيون محترفون) عبر الإنترنت إلى مواقع الاتصال العامة مثل Slashdot (اتصال يفتقر إلى الحواجز الرسمية للدخول).
وقد يكون اختلاف الصحافة الرقمية عن الصحافة التقليدية في دور الصحفي المعتاد وعمله مع المؤسسات الإخبارية للوصول الى الجمهور عبر وسيلة نمطية بينما وضعت الصحافة الرقمية الصحفي الرقمي امام خيارات مفتوحة لاختيار جمهوره ومخاطبته انيا. كانت توقعات المجتمع للحصول على معلومات فورية مهمة لتطور الصحافة الرقمية. ومع ذلك ، من المحتمل أن طبيعة الصحافة الرقمية وأدوارها لن تكون معروفة تمامًا لبعض الوقت، او قد تبرز لنا مصطلحات جديدة من قبيل صحافة الذكاء الاصطناعي.
تاريخ الصحافة الرقمية
كتب ستيف يلفينجتون على موقع معهد بوينتر عن ناندو ، المملوك لشركة N&O ، بقوله “تطور ناندو إلى أول موقع إخباري جاد ومهني على شبكة الويب العالمية”.
نشأ في أوائل التسعينات باسم “ناندو لاند “. ويعتقد أن زيادة كبيرة في الصحافة الرقمية عبر الإنترنت حدثت في هذا الوقت تقريبًا عندما كانت أول متصفحات الويب التجارية ، Netscape Navigator (1994) و Internet Explorer (1995).
بحلول عام 1996 ، كان لمعظم وسائل الإعلام وجود على الإنترنت. على الرغم من إعادة استخدام المحتوى الصحفي من مصادر النص / الفيديو / الصوت الأصلية دون تغيير في الجوهر، إلا أنه يمكن استهلاكه بطرق مختلفة نظرًا لشكله عبر الإنترنت من خلال أشرطة أدوات المواقع والمتصفحات، والمحتوى المجمع موضوعيًا، والروابط بين النصوص. باتت دورة الأخبار تتم على مدار 24 ساعة وبطرق جديدة للوحات الويب والمنصات التي تمكن من عملية التفاعل بين المستخدمين والصحفيين من بين الميزات الفريدة للصيغة الرقمية. في وقت لاحق، البوابات مثل AOL و Yahoo! كما قاد مجمع الأخبار الخاص بهم (المواقع التي تجمع وتصنف الروابط من مصادر الأخبار) إلى وكالات الأنباء مثل وكالة أسوشيتد برس لتزويد المحتوى المناسب رقميًا للتجميع بما يتجاوز الحد الذي يمكن لمقدمي أخبار الوكالات التقليدية استخدامه.
تم تأسيس صالون الصحافة في عام 1995. وفي عام 2001 وصفت مجلة الصحافة الأمريكية صالون الإنترنت بأنه “المكان المستقل البارز للصحافة الجديدة”.
في عام 2008 ، وللمرة الأولى أبلغ المزيد من الأمريكيين عن تلقي أخبارهم الوطنية والدولية من الإنترنت بدلاً من الصحف. وفقًا لتقرير مركز بيو للأبحاث فإن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا يتلقون أخبارهم عبر الإنترنت في المقام الأول. استمر نمو جمهور المواقع الإخبارية بسبب إطلاق مواقع إخبارية جديدة واستمرار الاستثمار في الأخبار عبر الإنترنت من قبل المؤسسات الإخبارية التقليدية، واصبح النمو المستمر في جمهور الإنترنت بشكل عام يصل الآن ٨٢ بالمائة من الشباب الساعين إلى الأخبار التي تبث عبر الإنترنت في المقام الأول.
تحول الصحافة التقليدية إلى الرقمنة
اصبحت المواقع الإخبارية السائدة هي الشكل الأكثر انتشارًا لإنتاج الوسائط الإخبارية عبر الإنترنت. اعتبارًا من عام 2000 ، أستخدمت الغالبية العظمى من الصحفيين في العالم الغربي الإنترنت بانتظام في عملهم اليومي. بالإضافة إلى مواقع الأخبار السائدة، وجدت الصحافة الرقمية في مواقع الفهرسة والتصانيف (المواقع التي لا تحتوي على الكثير من المحتوى الأصلي ولكن العديد من الروابط إلى مواقع الأخبار الحالية)، ومواقع التعريف والتعليق (مواقع حول قضايا وسائط الأخبار مثل هيئات مراقبة وسائل الإعلام) ، والمشاركة والمناقشة كما في (مواقع تسهل اتصال الأشخاص ، مثل Slashdot). المدونات هي أيضًا مرحلة مم مراحل تحول الصحافة إلى النمط الرقمي وكانت حتى عام ٢٠٠٩ قادرة على تقديم معلومات جديدة لكنها ما لبثت ان اضمحلت مع بروز شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك. تشارك الصحافة الرقمية في ظاهرة الصحافة السحابية، وهي التدفق المستمر للمحتويات في مجتمع النطاق العريض.
تبنت الامم المتحدة مفهوم الصحافة الرقمية ليدخل ضمن مظلة الحريات العامة عام ٢٠١٤ ومن ثم في عام ٢٠١٦ اصدرت بذلك قرارات تعالج هذا القطاع الحديث.
العراق والصحافة الرقمية
لاتزال الصحافة الرقمية في العراق ضمن خطوط النشوء الاولى ولم تنتقل الى مستوى التطور الاول من حيث الدمج الاقتصادي وهنالك نماذج قليلة جدا استطاعت ان تجد لها حضورا في قطاع الاقتصاد وغالبا كانت صحافة رقمية قائمة على الفيسبوك والترويج والتسويق والتعاملات الاخرى وهي ليست صحافة رقمية بمعناها المعروف في باقي الدول سيما الغربية منها. وبرزت على جانب المنصات الاخرى الاجتماعية مثل انستغرام وتك توك وتيلجرام تجارب شبابية حققت موارد مالية عبر تسويق المحتوى وكسب الاعلانات والدعايات والترويج وكانت حصة النساء مميزة وتحديدا الجميلات لأنهن يجذبن الشباب بشكل اكبر.
بشكل عام ليس في العراق قوانين ناظمة للصحافة الرقمية والسبب هو الامية المعلوماتية والرقمية للنظام القضائي ولنظام فرض القانون. وعلى جانب التشريعات والسلطة التشريعية فان قانونا ناظما مباشرا للصحافة الرقمية غير موجود بطبيعة الحال، لكن هنالك مشاريع قوانين تحوم حول هذا المعنى منها مشروع قانون الجرائم الالكترونية ومشروع قانون المعلوماتية ومشروع قانون حق الحصول على المعلومات وهي بلا أدنى شك متخلفة من حيث المحتوى والمضمون، كما ان المظلة التنظيمية لهذا القطاع تنوء تحت وطاة الإدارات المنبثقة عن الاحزاب المتخلفة رقميا في البلد.
يتبع … في العدد المقبل