القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
تمثل جرائم تقنية المعلومات سلوك غير مشروع، موجه نحو إساءة استعمال النظام الآلي لمعالجة المعلومات، باستخدام الحاسوب أو أية وسيلة تقنية، وعلى الرغم من الدور الإيجابي الذي تمارسه الوسائل التقنية، فإنها لا تخلو من السلبيات، ولعل من ابرز ها ظهور مجموعة من الجرائم تختلف باختلاف المجال التي ترتكب فيه.
مثل استخدام الانترنت في ارتكاب الجرائم المخلة بالآداب والأخلاق العامة، التي تتخذ عدة صور منها إشاعة الفاحشة والفساد الأخلاقي، عن طريق إنشاء موقع أو نشر معلومات مخلة بالآداب العامة، أو ما يسمى (المحتوى الهابط)، من خلال عرض منشورات تسيء للعائلة العراقية، والآداب العامة، بكلمات بذئية وتخدش الحياء والايحاء الجنسي.
ويقصد بالنشر، عرض الشيء على الجمهور، والمعلومات هي أي بيانات تم تحليلها ومعالجتها، ولم يسن المشرع العراقي قانون خاص بالجرائم التقنية بوجه عام، وبجريمة إنشاء موقع أو نشر معلومات مخلة بالآداب العامة بوجه خاص، لذا فانه ينبغي الرجوع إلى القواعد العامة في قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 المعدل، لأجل تكييف واقعة إنشاء مواقع الكترونية إباحية، أو نشر المعلومات تتعلق بهذا الشأن تكييفاً قانونياً، بحيث تتلاءم مع عناصر النموذج القانوني، الذي رسمه المشرع العراقي.
ولدى الرجوع إلى احكام القانون يتبين ان نص المادة ( 403) تنص على: (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسمائة إلف دينار، و لا تزيد على مليوني دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من صنع بقصد الاستغلال، أو التوزيع، كتاباً أو مطبوعات أو كتابات أخرى، أو رسوماً أو صوراً أو أفلاماً أو رموزاً أو غير ذلك من الأشياء اذا كانت مخلة بالآداب العامة، ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك أو عرضه على أنظار الجمهور، و لو في غير علانية، ويعتبر ظرفاً مشدداً اذا ارتكب الجريمة بقصد إفساد الأخلاق)، و المعدلة بالقرار 266 لسنة 2002، والذي نشر في جريدة الوقائع العراقية بعددها 3963 في 30/12/2002.
وتم تعليق العمل بهذا القرار بأمر سلطة الائتلاف المنحلة في العراق، المرقم (7 ) لسنة 2003، الذي اعتمد الطبعة الثالثة من قانون العقوبات النافذ، حيث ان جريمة نشر المعلومات المخلة بالآداب العامة يعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، أو بالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، وان جريمة نشر معلومات تروج لأفكار وبرامج مخلة بالآداب العامة، تقع من حيث التكييف تحت مفهوم الإعلان كسلوك مكون لجريمة الإخلال بالآداب العامة، وفق الفقرة الثانية من المادة (403)، والإعلان يعد طريقة من طرق النشر ويعني عرض الشيء على الجمهور أي عرضة على أنظار العامة.
ويؤخذ على عقوبة هذه الجريمة عدم انسجامها مع جرائم الانترنت المخلة بالأخلاق العامة، إذ لا يمكن الإبقاء على هكذا عقوبة لجريمة أخذت تهدد أمن وكيان المجتمعات، لذلك ندعو المشرع العراقي إلى تجاوز القصور في معالجة هذه الجرائم، بتشريع قانون خاص يعالج هذه الجرائم، وان النتيجة الجرمية في جريمة نشر المعلومات المخلة بالآداب العامة تتخذ مدلولاً قانونياً، يتمثل بوجود عدوان غير مشروع على المصلحة المحمية قانوناً، وان صناعة المحتوى الهابط أدت إلى انتهاك معايير المجتمع الأخلاقية، وتتضمن الإساءة والابتزاز والتهديد لمعايير المجتمع.