القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
يشهد عصرنا الحالي ثورة هائلة في التعاملات التجارية التقليدية والالكترونية، وصاحب هذا التطور ظهور مؤسسات مصرفية ومالية تعتمد على هذه التقنيات لما تتميز بها من سهولة الحصول على الخدمات دون أي عناء بالإضافة إلى السرعة في انجاز التعاملات المالية مع حماية أمنية تضمن للمستهلك والتاجر حقهم وللمصرف النسبة المحددة.
لذلك تعددت وسائل الدفع وفق المتطلبات المقصودة ومن تلك الوسائل بطاقة السحب المصرفية وبطاقة الوفاء والبطاقة الذكية وغيرها وكذلك البطاقة الائتمانية التي تتميز بانتشارها الواسع بحيث أصبحت من الأنشطة الأساسية المتوفرة في اغلب المؤسسات المصرفية، وخصوصا في قضايا دفع الرواتب التقاعدية ورواتب الموظفين.
وقد كشفت هيئة النزاهة مؤخرا عن إجراءاتها في قضايا تتعلق ببطاقات الائتمان توزعت بين شبهات تزوير بطاقات ذكية وتسلم رواتب من غير مستحقيها بصورة غير قانونية، وصرف بطاقات ورواتب تقاعدية لأشخاص متوفين وإعطائها لأشخاص آخرين و إصدار البطاقات لقاء مبالغ مالية، إضافة إلى وجود حالات استغلال للموظفين والمتقاعدين من قبل منافذ تلك الشركات، عبر استقطاع مبالغ اكثر من المقرر لتعامل الإفراد بها لشراء احتياجاتهم من السلع والخدمات وسحب مبلغ نقدي دون الحاجة إلى حمل نقود معهم، و تمثل وسيلة سهلة للحصول على ائتمان قصير الأجل له.
وتتميز بطاقة الائتمان بخصائص تجعلها مستقلة عن وسائل الوفاء التقليدية فطبيعتها القانونية والوظيفة التي تقوم بها تجعلها تأخذ مكانتها بين وسائل الوفاء الحديثة وتستعمل بطاقة الائتمان على المستوى الدولي رغم اختلاف العملات ولم يضع المشرع العراقي تعريفا لبطاقة الائتمان سواء في القانون المدني العراقي أو قانون التجارة العراقي ومن الصعوبة إعطاء تعريف جامع ومانع لبطاقة الائتمان، وذلك لاختلاف شروط التعامل بها وحداثة بطاقات الائتمان، فالجانب العقدي يركز على الطابع العقدي لهذه البطاقة فالبطاقة تصدر بناءً على عقد يتعهد بمقتضاه مصدر البطاقة بفتح اعتماد بمبلغ معين لمصلحة حامل البطاقة يستطيع الأخير استخدامها في الشراء.
ونظرا لانتشار بطاقة الائتمان وكثرة استعمالها أصبحت عرضة لاعتداءات كثيرة سواء من قبل حاملها بالإخلال بالالتزامات التعاقدية أو الإساءة من طرف الغير كسرقتها مثلاً، وبما ان التعامل ببطاقة الائتمان قام بشكل أساسي على نظام تعاقدي الذي ينشا بين إطرافه (الجهة المصدرة، حامل البطاقة، التاجر)، علاقات تعاقدية ويرتب التزامات محدده في ذمة كل طرف في مواجهة الطرف الأخر المتعاقد معه واذا اخل احد الأطراف بالتزاماته تقوم عليه مسؤولية مدنية واذا وقعت البطاقة في يد شخص غير حاملها الشرعي، وكانت البطاقة مسروقة أو ضائعة وتم استخدامها وتسبب الغير بالضرر لحاملها الشرعي يكون مسؤولاً على أساس المسؤولية التقصيرية.
ولا تقوم المسؤولية العقدية لان الغير أجنبي عن العقد المبرم بين إطراف بطاقة الائتمان وكل خطا يسبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، وفقا للقواعد العامة في القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951، وبتزايد استعمال بطاقة الائتمان خاصة في المجال التجاري لسهولة تسوية المعاملات فقد تنهض المسؤولية الجزائية.
حيث تتم مساءلة حامل البطاقة جزائيا في حالة الاستخدام غير المشروع للبطاقة خلال فترة صلاحيتها، من خلال الوفاء بقيمة البضائع أو الخدمات رغم عدم وجود الرصيد الكافي، والسحب من جهاز توزيع العملة مع علمه بعدم وجود رصيد كافي له، والاستخدام غير المشروع للبطاقة بعد انتهاء مدة صلاحيتها، واستخدام بطاقة ملغاة، وجريمة تزوير بطاقة الائتمان، وجريمة استعمال البطاقة المزورة، وجريمة سرقة البطاقة.
وان انتشار بطاقات الائتمان بشكل واسع نظرا لما توفره من الأمان والسرعة والسهولة في التعامل وتمكن حاملها من الحصول على العديد من الخدمات المالية يتطلب تحديد العلاقة القانونية لبطاقة الائتمان وتحديد النظام القانوني التي تخضع له، وان التعامل ببطاقة الائتمان يتم في وسط غير مادي، لذلك يتضمن الاستعمال غير المشروع لها أساليب و مفاهيم جديدة تتطلب قواعد خاصة تتناسب مع هذه البيئة، لاسيما في ظل عدم وجود تشريع قانوني في النظام القانوني العراقي، خاصة بهذه الوسيلة الجديدة في الدفع ينظم عملية إصدارها يحكم العلاقات الناتجة عن استعمالها، بما يضمن سلامة استقرارها.
وإرساء دعائم الثقة في بطاقات الائتمان، لاسيما وان مختلف التشريعات حاولت حماية هذه الوسيلة، إلا أنها اصطدمت بعوائق عديدة، منها عدم قابلية تطبيق النصوص العقابية التقليدية، لعدم إمكانية القياس في التجريم والعقاب، وان النصوص العقابية المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، تقف عاجزة عن إضفاء الصفة الجرمية لصور قيام الحامل بإساءة استخدام بطاقة الائتمان.
وخصوصا في حالة إلغاء بطاقة الائتمان، ويجب على المشرع العراقي التدخل لتحديد مفهوم بطاقة الائتمان وأنواعها ومقدار العمولة التي يتم استحصالها، عند التعامل بهذه البطاقات وتحديد الجرائم التي ترتكب، والتي تتعلق ببطاقات الائتمان على وجه التحديد، حيث ان بطاقات الائتمان كغيرها من وسائل الوفاء، قد تكون محلا للتزوير أو إتباع وسائل احتيالية في طريقة استخدام البطاقة، الأمر الذي يشكل جرائم جنائية تستوجب عقاب من يستخدمها، وان على المشرع العراقي ان يوفر الحماية، والضمانات القانونية لاستعمال بطاقات الائتمان.