القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
أصبح نشر الشائعات والأخبار الكاذبة من السمات المميزة لعالمنا المعاصر، فلا يكاد يمر يوم دون أن نشهد أو نسمع عن ظهور الشائعات، وبغض النظر عما يكون وراء هذه الشائعات من اسباب الا انها في النهاية تعود بأضرار بالغة على المجتمع لما تحدثه من خسائر اقتصادية، ومشكلات اجتماعية على مستوى المجتمع ككل، ولاشك أن الشائعات من الامور التي تؤدي الى انتقال الخبر أو الحدث، من فرد الى آخر أو من جماعة الى اخرى، ويختلف الافراد في قدرتهم على تداول المعلومات.
فمنهم من ينقلها كما هي ومنهم من يدخل عليها الحذف او الاضافة عمداً، وتشكل الشائعات والاخبار الكاذبة ضغطاً اجتماعياً مجهول المصدر يحيطه الابهام والغموض ويتداولها الناس وتعد الشائعة الالكترونية إحدى نتائج الثورة الرقمية التي خلفها التطور المستمر لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات في الآونة الاخيرة، إذ تم استغلالها وبشكل ملحوظ بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي من قبل العديد من الاشخاص، وذلك لزعزعة الاستقرار في المجتمع.
فلم تعد الشائعات الالكترونية مجرد اخبار كاذبة او معلومات مزيفة يلقيها شخص ما، بل اصبحت اكثر من ذلك، إذ صار يقف خلفها وسائل اعلام احترفت التلاعب بالمعلومات، وعادة ما تكثر الشائعات الالكترونية في أيام الازمات من خلال الشبكة العنكبوتية، والتي تمثل واحدة من الوسائل القوية في نشر الشائعات في المجتمع، وتختلف الشائعات الالكترونية في طبيعتها وهدفها والمجتمع المستهدف من ورائها فبعض الشائعات تكون ذات هدف اقتصادي او سياسي كخلق روح العداء وزعزعة الامن في المجتمع.
وقد تكون الشائعات حول أوامر صحية مثل انتشار بعض الامراض والأوبئة مما يؤدي الى بث الخوف والرعب بين افراد المجتمع، فالشائعات الالكترونية تعد نمطاً اتصالياً هدّام مشكوكاً في اغراضه، يروج له وينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهي أما تحمل جزءا من الحقيقة فيضخمها، او يقلل من شأنها، او انها لا تحمل أي جانب حقيقي، بل هي مغلوطة، وتزدهر الشائعة الالكترونية عند غياب الحقيقة والصدق وتتسم بسرعة انتشارها لسهولة النشر عبر الوسائل الالكترونية والاستمتاع باستخدامها.
وقد لا يحتاج نشر الشائعات الالكترونية الى اكثر من جلوس احدهم وراء شاشة الحاسوب او الاتصال بالإنترنت للكذب والافتراء والتقول على الاخرين، وتعد جريمة ترويج الشائعات الالكترونية من الجرائم المستحدثة، التي ارتبطت بتقنية المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وهي من جرائم الحاسب الالي، ويرجع تجريم الشاعة الالكترونية لأسباب معينة، يرجع فيها المشرع الى عنصرين اساسين: التأثير السلبي للإشاعة على الرأي العام، او تأثيرها على الحق الشخصي للفرد، وتجاوزها لحدود ممارسة الحق المقرر بمقتضى القانون.
وبالرغم من خلو التشريعات الجنائية من استخدام لفظ الشائعات الالكترونية للتعبير عن الجرائم المرتكبة عبر ترويج الشائعات، الا انه يمكن القول ان الشائعات الالكترونية ذات طبيعة جنائية، تجعل منها جريمة يعاقب عليها القانون، ولما كانت الشائعة عمل غير مقبول فقد واجهها المشرع بالتجريم والعقاب في حق كل من اذاع عمدا احبارا او بيانات او اشاعات كاذبة او مغرضة او بث دعايات مثيرة، من شانها تكدير الامن العام او القاء الرعب بين الناس او الحاق الضرر بالمصلحة العامة.
وفي ظل التقدم التكنولوجي استطاعت الشائعة الالكترونية ان يكون لها الصدارة في تحقيق النتائج الضارة بأقل وقت وجهد لتعم قطاع جغرافي كبير لا تحكمه حدود زمانية ولا مكانية، وذلك بفضل الفضاء الالكتروني، الذي يعد مسرحاً للشائعات الالكترونية، الامر الذي يستلزم على المشرع: تجريم الشائعة الالكترونية.