القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
يسهم التقدم الهائل الذي أضحى واضحاً في مجال التقنيات الحديثة وثورة التكنولوجيا والزيادة الكبيرة في مستخدمي التكنولوجيا والأجهزة الحديثة، إذ شهد العالم ثورة هائلة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات وبات الاعتماد على وسائل الاتصال الحديثة في كل الجهات الرسمية وغير الرسمية حتى أصبح العنصر البشري يشك من إحلال الأجهزة الذكية من حواسيب وبرامج بدل الجهد البشري.
وأصبح قياس تقدم الدول يحسب بقدرتها على التعامل مع أجهزة الاتصال الحديثة في شتى مناحي الحياة، وبالرغم من الفائدة الكبيرة التي تقدمها هذه الأجهزة واعتبارها نعمة كبيرة، إلا إن هذه النعمة صاحبتها نقمة، تمثلت في الاستخدام غير القانوني لهذه الأجهزة، حتى أصبحت هذه التكنولوجيا الحديثة تستخدم كمعول هدم في ايدي الخارجين عن القانون.
ومن الجرائم الخطيرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة استخدام وسائط التواصل الاجتماعي (الفيبسوك، التويتر، الانستغرام) وغيرها، بالتشهير والتسقيط ونشر المعلومات غير صحيحة أو مواقع الفضائح التي لا تستند على وثائق أو مستندات صحيحة واستهداف سمعة الناس، وحيث إن الحق في السمعة من اسمي الحقوق التي يجب حمايتها والحفاظ عليها وهي من المقومات الأساسية للمجتمع القوي، وتحرص اغلب الدساتير والقوانين على حماية حق الإنسان في سمعته وشرفه وعدم المساس بها بأي وجه من الوجوه.
والالتزام بحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، ومع التطور المتسارع في جميع نواحي الحياة وإبداع العقل البشري في ابتكار أجهزة الاتصال الحديثة، ومنها الحاسب الآلي الانترنت وأجهزة الهاتف النقال والأجهزة المتطورة الأخرى، وظهور مواقع التواصل الاجتماعي وهي مواقع انتشرت في الانترنت الهدف منها التواصل بين الأصدقاء وتحقيق الفائدة في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والفنية والرياضية والإخبار والأمور العامة، إلا إن البعض من ضعاف النفوس استغل أجهزة الاتصال الحديثة في ارتكاب الجرائم الالكترونية.
ومنها الاحتيال الالكتروني وسرقة البنوك، والتهديد عن طريق أجهزة الهاتف النقال والسب والشتم والقذف ونشر الإباحية والأفعال المخالفة للآخلاق والآداب العامة، وظهرت المواقع الالكترونية “متعددة الاتجاهات” منها ما تكون مفيدة في التواصل بين الأصدقاء وهناك من المواقع التي تخصصت في بث الإشاعات والتحريض على العنف والتحريض على الفسوق ونشر الاتهامات والاتهامات بأسماء وهمية.
وتخصصت بعض المواقع في نشر الصور العائلية بدون موافقة أصحابها وبالرغم من ان الدستور العراقي النافذ لعام 2005 كفل حرية الرأي والتعبير حيث نصت المادة (38) من الدستور العراقي بنصها على : (تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب حرية التعبير بكل الوسائل وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر هذا فضلا عن إباحة النقد و الطعن بإعمال الموظف والمكلف بخدمة عامة وفقا للقانون).
وتعد جريمة التشهير، من الجرائم الماسة بحرية الإنسان وحرمته، والتي نص عليها المشرع العراقي في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل حيث نصت المادة 433 من قانون العقوبات، بان القذف هو إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شانها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت اليه أو احتقاره عند أهل وطنه.
ويعاقب من قذف غيره بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، اذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو بإحدى طرق الإعلام الأخرى عد ذلك ظرفاً مشدداً، ولا يقبل من القاذف إقامة الدليل على ما اسند، اذا كان القذف موجهاً إلى موظف أو مكلف بخدمة عامة، والى شخص ذي صفة نيابية عامة أو كان يتولى عملاً يتعلق بمصلحة الجمهور، وكان ما أسنده القاذف متصلا بوظيفة المقذوف أو عمله، فإذا أقام الدليل على كل ما أسنده انتفت الجريمة.
وان جريمة التشهير يترتب عليها النيل من قدر المجني عليه واعتباره في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وان المشرع العراقي عد ارتكاب الجريمة عن طريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو بإحدى طرق العلانية من الظروف المشددة في ارتكاب جريمة التشهير والعلانية منصوص عليها في المادة (19) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
والذي عد من وسائل العلانية ارتكاب الجريمة عن طريق الصحافة أو المطبوعات أو غيرها من وسائل الدعاية والنشر وقد عد القضاء العراقي النشر عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي نشراً عن طريق وسائل الإعلام، ذلك لانها متاحة للملايين من الناس الاطلاع عليها، وتعد مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة من وسائل التعبير، وقد انشات هذه الوسائط أصلاً لمساعدة الناس إلى التقارب والمشاركة الاجتماعية، وكذلك التواصل مع الأصدقاء والعائلة واكتشاف الإحداث المحلية والعالمية، والعثور على المجموعات للانضمام إليها.
إلا إن هذه المواقع هي اشبه بسلاح ذي حدين، لان البعض قد يقوم بالأفعال غير المشروعة من جرائم التشهير عن طريق النشر الذي يهدف إلى التقسيط الهدف منه الإساءة إلى الآخرين، أو نشر مقاطع فديو ينسبونها لأشخاص بهدف التسقيط والتشهير، فقد ازداد ارتكاب جريمة التشهير عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي وعن طريق المواقع الالكترونية من خلال شبكة الانترنت، وقد يجد البعض في التشهير طريقة للتسقيط أو المساومة في استغلال تلك المعلومات لغرض الإساءة للسمعة، او القصد منها التنافس الوظيفي، او التنافس الحزبي او الانتخابي او التجاري، والضغائن الشخصية وتشويه السمعة، إذ يفاجئ الكثير من الناس بنشر تلك الصور والبيانات الشخصية والمحادثات الخاصة التي لا يوافق على عرضها لعموم الناس.
والأصل في القانون إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة وتوفير الضمانات للمتهم في حماية حريته وسمعته، وان كان الدستور قد أعطى الحق للإعلام في كشف قضايا الفساد الإداري و المالي، إلا إن حق النقد قد رسمه القانون، وفق شروط محددة لا يجوز تجاوزها، ومنها صحة الواقعة محل النقد أو الاعتقاد بصحتها.
وتكون صياغة عبارات النقد في عبارات مناسبة والقصد منها تحقيق المصلحة العامة، وان القانون لا يسمح للتعرض لحرمة الحياة الخاصة للناس، إلا بالقدر الضروري الذي يحقق المصلحة العامة، وان الديمقراطية لا تعني التشهير وذلك لان النقد الهادف والبناء القصد منه عرض الحقيقة وان التشهير عبر وسائط التواصل الاجتماعي، هو جريمة يعاقب عليها القانون ونرى إن يصار إلى إعادة النظر بأحكام عقوبة التشهير المنصوص عليه في المادة 433 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
وتشديد العقوبة في هذه الجريمة وخاصة ما يتعلق بأحكام المادة 435 من قانون العقوبات وعدّها من جرائم الحق العام وتفعيل دور مديرية الجريمة الالكترونية في وزارة الداخلية في كشف المواقع الوهمية، إذ يقوم ضعاف النفوس بإنشاء صفحات وهميه الغاية منها ارتكاب جريمة التشهير الالكتروني من عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي.