الدكتورة حنين السلطاني
عضو مجلس المسار الرقمي العراقي
يستند الفن الرقمي التشكيلي بشكل أساسي على الصورة الرقمية، وفي بداية الستينيات من القرن العشرين كان انتاج صورة محاكيه لتأثيرات صورة الكاميرا الفوتوغرافية، الهدف المسيطر في مجال الرسم بالحاسوب، وكان هذا الهاجس يمثل منتهى ما يصبوا اليه الجانب الفني الرقمي، إذ كانت البدايات الاولى للرسم الرقمي، هي بدايات بعيدة بشكل كبير عن ما هي عليه الآن إذ كانت المحدودية تتمثل في الجانبين أي المكونات المادية والمكونات البرمجية للحاسوب.
وكان لدى الفنان الرقمي الشغف في استخدام أحدث التقنيات لصناعة الفن، فقد استُخدم الحاسوب في المجال العسكري، الاتصالات والحسابات والفن كذلك، وهو الحقل الذي يخلو من الحاجة إلى إنتاج النتائج الواقعية، فقد أطلق الحاسوب العنان للمخيلة الإنسانية لتسير إلى الأمام وتعبِّر عنه, فالعمل الفني الرقمي يمثل انتاجاً لتقنية قد تقترب أو تبتعد أو تحاكي تقنيات الإنتاج الفني التشكيلي التقليدية، فهي تحمل في طيات نتاجها خصوصياتها ومميزاتها التي تنفرد بها، وتجعل من العمل الفني المنتج من خلالها هوية لها، ومثاراً لما تحمله من خصوصية في صياغة العمل ضمن سياقاتها ويمتاز الفن الرقمي بتمازج تقنياته بعضها مع بعض وتكملة احدها للآخر، مما يجعل من الصعب في بعض الأحيان فصل كل تقنية من هذه التقنيات على حدة كما في عمل الفنان عدنان محمد في المجال العراقي.
إذ يجسد الفنان “عدنان محمد” مثالاً مباشراً لتقنية الرسم الرقمي، إذ يتكون احد اعماله التي اطلعنا عليها من مجموعة من الأشكال التجريدية والخطوط ذات الألوان المتنوعة، ويمكن ترجمة بعض الأشكال إلى هيئات حيوانية كالحصان وأخرى إلى أشكال أجزاء صخرية, ومن خلال القراءة الأولية للعمل يتضح إن العمل يستند إلى أشكال عضوية تحاكي تشكيلياً الأشكال التي يتم رسمها في تقنية الرسم التقليدية.
أي إن الأشكال كالحصان في مركز العمل وبدون أي قيود محددة كالإسقاطات الهندسية من قبل الحاسوب أو إسقاطات الأشكال الواقعية من الصور الفوتوغرافية، ينسب ذلك الى استخدام الفنان لتقنية الرسم الرقمي التي أعطته و من خلال أدواتها حرية تطبيق الخطوط و الأشكال تبعاً لمهاراته و ما يراه مناسباً للعمل.
وعلى صعيد اللون يمكن ملاحظة إن هذا العمل بات غنياً باللون نسبياً، كما ان التوزيع كان افقياً، إذ يمكن ملاحظة التنوع الحاصل بالنسبة للون ضمن الجزء العلوي والذي ظهر في عدة ألوان وبعدة درجات على شكل مساحات واسعة وبطبيعة مسطحة واختلافه عن الجزء السفلي للعمل الذي جاء بألوان اقل وبأسلوب توزيع مختلف فجاءت الألوان بصيغة خطوط متداخلة.
ويشدد الفنان محمد على ان آلية تطبيق اللون والظلال ضمن تقنية الرسم الرقمي هي آلية حرة غير مقيدة من حيث الدرجة والمكان، وتوفر للفنان حرية الاختيار والتطبيق، أي لا يوجد نظام معين يملي على الفنان طريقة التوزيع والتطبيق، وإنما هنالك توزيع حر مستند إلى رؤية الفنان، وهو توزيع يمتاز بتجانسه مع آلية و طريقة رسم أشكال العمل، الامر الذي يعزز من مكانة تقنية الرسم الرقمي من اقترابها من تقنية الرسم التقليدي في ما تتميز به.