الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي
نُشرت في جريدة “الصباح” بالعدد 5401 في 12/5/2022
هل يعي العراقيون، على صعيدي الأفراد والدولة، أهمية وجود ضمانات واضحة لحماية البيانات الرقمية الشخصية، من التلاعبات والاختراقات والتوظيف غير السليم، عبر مناهج متعددة، من قوانين ملزمة، توضح هذا الحق بالتحديد، وانظمة وبرامجيات تعتمدها الجهات المعنية بتنظيم المسار الرقمي العراقي، الى جانب مجهودات توعية المستخدمين المحليين بنظم وأساسيات حماية البيانات الشخصية، وتنمية مهاراتهم الرقمية على العمل بموجبها؟
أخذت التقانات الرقمية تمثل الادوات الأساسية في المجتمعات المعاصرة في المجالات والمستويات والمناحي جميعها، وأمسى من الضروري ان يكون التحول الرقمي الذي ينشده العراقي مصحوبا بقدر كبير من الوعي المختص، تدعمها مجموعة من القوانين والممارسات الفاعلة لضبط آليات الإفادة من هذه التقانات بشكل أكبر، ذلك ان التطور المتسارع الذي تشهده الظاهرة الرقمية، كرس من مخاطر التعدي على امن واستقرار الافراد والمجتمعات، في مقابل اتراجع فرص الكشف عن المنتهكين للخصوصيات الرقمية، خاصة في البيئات التي لا تكتمل فيها شروط الحماية الرقمية، وفي مقدمتها العراق.
تتحدث الوقائع عن تزايد المخاوف بشأن امن وخصوصية البيانات الشخصية التي يدلون بها بانفسهم، وقد ترتب على التدفق الهائل للمعلومات في الفضاء الرقمي بان تصبح ملكية تلك المعلومات اشبه بشائعة بعد ان كانت ملكيتها خاصة تعنى بالفرد نفسه، أو حتى المؤسسة التي تعود إليها تلك البيانات، الإ ان القلق والخوف من توفير الأمن للأشخاص من المستخدمين العاديين وضمان خصوصياتهم، بات واضحاً بشكل أكبر، إذ ان ان غالبيتهم ليسوا على دراية كافية بشروط واهداف معالجة بياناتهم الشخصية من قبل ادارات الوسائط والتطبيقات التي يستفيدون من خدماتها، او المواقع الإلكترونية التي يقصدونها للحصول على منتج أو خدمة معينة.
وتشدد الدراسات الحديثة على “ان وضع نظام لحماية البيانات الشخصية في بيئة الانترنت عليه ان يراعي طبيعة المخاطر التي يمكن ان تواجه المستخدمين عند قيامهم بتصفح الشبكة، لاسيما بعد ان اوجد الويب سلسلة من التحديات الجديدة في مواجهة حماية الخصوصية، لاسيما مع بعض المتطلبات التي يتعين على المستخدم بالإدلاء بعدد من بياناته الشخصية من قبيل اسمه وعنوانه وتفصيلات ترتبط بحسابه المصرفي وعاداته اليومية والأصدقاء المقربين من الموثوق بهم وغير ذلك، وعلى الرغم من احجام الكثير منهم عن الادلاء بمثل تلك المعلومات، إلا ان مخاطر انتهاك الخصوصية تبقى قائمة حين يمكن تدفق تلك البيانات الشخصية البعض من استخدام بيانات البطاقة المصرفية او سرقة هوية الشخص من اجل التشهير به او تدمير مستقبله المهني او سمعته”.
يمسي هذا كله مدعاة ان يهتم العراق، عن طريق أجهزته التشريعية والتنفيذية المختصة بنظام حماية البيئة الرقمية في العراق، وبشكل سريع، أسوة بتجارب قريبة، لدول في المنطقة اتخذت التدابير اللازمة، ومنها ما يتعلق بالاطار التشريعي، بتبني ما يربط بين حقوق الأفراد العاديين، في حماية بياناتهم الشخصية، وبين مديات السماح بمعالجة البيانات والمعلومات والاحتفاظ بها في ظل الفضاء الرقمي المتسع، والعمل بموجب قواعد البيانات الضخمة والذَكاء الصناعي.
وبدات بعض دول المنطقة، ومنها الأردن على سبيل المثال، بمعالجة انتهاكات الخصوصية الرقمية الشخصية، بقانون حماية البيانات الشخصية، الذي سيحدث مجلساً لحماية البيانات الشخصية، وتحدد مهامه وصلاحياته، ومهام الوحدة التنظيمية المختصة بحماية البيانات الشخصية في وزارة الاقتصاد الرَقمي والريادة هناك، والذي تجد فيه ما يسهم في تعزيز مكانة المملكة بين الدول التي تنظم البيئة الرقمية، كونه يغطي جوانب حقوق اصحاب البيانات والمستخدمين.
ان تعزيز ضمانات الحماية الرقمية للمستخدمين تستدعي قيام الاجهزة التنفيذية الرسمية بايجاد ما يعرف بالثقافة التعاونية لأمن البنية التحتية للإنترنت، التي تتضمن تعيين البنية التحتية المعلوماتية المهمة وحمايتها، وتطوير مرونة تلك البنية لشبكة الانترنت عن طريق نشر المعايير الامنية والممارسات الصحيحة، وتيسير عملية تبادل المعلومات وبناء العلاقات بين جميع الجهات المعنية، وتكوين فرق التصدي لحوادث الامن الرقمي على الصعيد الوطني ودعمها، إلى جانب مواجهة العقبات القانونية التي تحول دون مشاركة المعلومات وإجراء الابحاث المتعلقة بالثغرات الرقمية الامنية والحوادت والتهديدات السيبرانية.
ونشير في مجال توفير البيئة الضامنة للحماية الرقمية إلى ضرورة الأخذ بمبادئ الحماية التي أعلنت عنها جمعية الانترنت في الولايات المتحدة الامريكية، المتمثلة في الوعي الذي يوجب على جميع الجهات المعنية في القطاعات المختلفة فهم المخاطر التي تهدد امنها، ومدى تأثير تلك المخاطر عليها وعلى الاخرين في النظام البيئي المختص بالبنى التحية لشبكة الانترنت واستخداماتها.
ويضاف إليها ما يرتبط بمبادئ الحقوق الأساسية وخصائص الإنترنت، والتركيز في حال اتخاذ أي قرار أو اجراء لمواجهة المخاطر الرقمية، الالتزام بالحقوق الاساسية وتحري الشفافية وعدم المساس بخصائص الانترنت المختصة بالمشاركة التطوعية والمعايير المفتوحة والركائز التكنولوجية القابلة لإعادة الاستخدام والنزاهة والقدرة على الابتكار والانتشار العالمي.
البيئة الضامنة
يتطلب توفير البيئة الرقمية الضامنة لخصوصيات المستخدمين في العراق اصدار القوانين وتوفير الأنظمة والبرامجيات، التي تهدف إلى حماية بيانات المُستخدم الشخصية وعدم السماح باختراقها، إلى جانب توفير قواعد وآليات تنمية مهارات المستخدمين الرقمية الشخصية على تدعيم أنظمة الحماية الأساسية بالاعتماد على الوسائل الأخرى؛ مثل تشفير البيانات وخيارات التحقّق بخطوتين وغيرها من الخيارات، بان تكون هناك مناهج تعليمية مختصة في المدارس والجامعات العراقية، وقيام المؤسسات المعنية بتبني استراتيجيات في هذا الأساس، واحداث الأكاديميات المعنية بتطوير المهارات الرقمية على مستوى الدولة.