الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي
نُشرت في جريدة “الصباح” بالعدد 5392 في 26/4/2022
هل فكرنا بإيجاد قواعد فاعلة لنشر الإبداع العراقي على المستويين الإقليمي والدولي، بالإفادة من آليات التسويق الرقمي، التي وفرت مجالاً غير مسبوق بالمرة لإمكانية الوصول بالمنتج الابداعي الوطني إلى خارج الحدود، أسوة بتجارب مجاورة حققت أثراً عالمياً، صارت بعده سمة الابداع ليس حكراً على دول بعينها؟
تتعدد نتاجات الابداع العراقي، لتشمل المجالات والموضوعات والمصنفات كلها، إلا ان أغلب تلك النتاجات تبقى حبيسة تقوقعها في الفعاليات والمهرجانات والفعاليات المحلية، والقليل منها، ما يمكن أن يصل إلى المستوى العالمي، بالاعتماد على الأوعية الرقمية التي جرى توظيفها في عدد من الدول المجاورة، بعد ان يتنازل عن حقوقه فيها، أو تثقل كاهله بمبالغ لا يستطيع رواد الابداع تأمينها في الغالب.
وتوصف الولايات المتحدة الاميركية بأنها أفضل من مارس التسويق الرقمي للإبداع، ويرجع المختصون هذا الأمر إلى طبيعة الثقافة الاميركية نفسها، ناهيك عن إمكانيات الانتشار التي هيّأتها اللغة الإنكليزية المعتمدة في معظم أنحاء العالم، معتمدة في ذلك على وسيلتين في تسويقها الابداعي ارتكزتا على استخدام المنظومات الإعلامية والرقمية العملاقة التي تغطي العالم كله، عبر أشكال صحافية وسينمائية وإلكترونية مختلفة في مجال إسناد مهام التسويق على الصعيد الدولي.
إلى جانب قيامها باستخدام الجامعات الاميركية المنتشرة في الكثير من مدن العالم، من قبيل: الجامعة الاميركية في بيروت والقاهرة والسليمانية وحتى بغداد، كما تقوم باستقبال الآلاف من طلبة الدول النامية في زمالات دراسية داخل الولايات المتحدة، ولجامعاتها برامج وعلاقات تبادل ثقافي مع أغلب الجامعات العالمية.
وعلى صعيد تسويق المنتجات الملموسة، فان إتساع نطاق التجارة والاستثمار في الولايات المتحدة، زاد من الحاجة إلى وسيلة سريعة ودقيقة وفاعلة للإتصال، وقد وفرّ المجال الرقمي المختص باقتصاديات السوق هذه الحاجة للنشاطات الاقتصادية المتنوعة بنقل العروض والفواتير والصور والبيانات على إختلاف أنواعها بشكل مباشر وفوري، وأكدت التأثيرات المحتملة لهذه الخدمات إرتباط القوة الشرائية العالمية لتلك الخدمات بالتغيرات الاقتصادية.
كما تسعى بعض المحتويات الغربية (المترجمة، والمنسوخة) الوافدة إلى الدول العربية إلى جعل الثقافة ذاتها عبارة عن سلعة في سوق الاقتصاد العالمي، وتهدف لذلك الولايات المتحدة الاميركية، مثلما تدعو إلى جعل منظمة التجارة العالمية مركزاً لمناقشة النظام العالمي الجديد للثقافة والنتاج الابداعي، لكون الإنتاج الابداعي صار يدخل في أجندة السلع الخاضعة لحرية التبادل التجاري وقواعد العرض والطلب، وهو ما يشير إلى أهمية المجال الرقمي في ممارسات التسويق، على تعدد مستوياته وموضوعاته.
يرتبط التسارع باستخدام نتائج التقدم التقني في مجال الإنتاج بمعطيات استخدام تكنولوجيا الاتصال، التي تسعى في هذا المضمار إلى توسيع حجم الأسواق عن طريق الكفاءة الاقتصادية لاستخدام تكنولوجيا الاتصال عن باقتراب الاقتصاديات من بعضها البعض.
وتأتي أهمية التسويق عبر الأوعية الرقمية، بالإفادة من ميزة التفاعلية الاتصالية، من دواعي مفادها ان ثمّة إتفاقاً على ان التسويق في هذه الحدود يمارس دوراً محورياً في المجتمعات الحديثة كلها، فبحسب الدراسات المختصة “أصبحنا نعيش حالة من التفكير والسلوك الاستهلاكي، وصارت العلاقات الاجتماعية يعبر عنها بلغة السوق، وتقدر هوية الأفراد ومكانتهم الاجتماعية في ضوء إمتلاكهم لسلع معينة، ومن هنا اكتسبت الأمور المادية معاني هامة في المجتمع الاستهلاكي، وحولتها إلى رموز لهوية الأفراد والمجتمعات ومكانتهم، وهو ما يتوجب علينا التنبه له.
ويرتبط الحديث عن التسويق الرقمي للإبداع في العراق بضرورة فهمنا لعناصر السوق على المستوى المجتمعي، التي تتبين في مساحة ثلاثية الأبعاد، تتطلب إيجاد قواسم مشتركة للتواصل فيما بينها، تتحدد في الفكرة أو الممارسة الاجتماعية “المُنتج الاجتماعي”، والتي تتجسد لدينا في إستراتيجيات تسويق المنتج الابداعي، بالإفادة من الرقمنة.
وتزيد أهمية موضوعة التسويق الإلكتروني حين تؤشر الدراسات المعاصرة المختصة أهمية تفعيل الجوانب الاتصالية في قضية التسويق للمنتج، على المستوى الاجتماعي، بوصفه أحد مظاهر الإبداع، وتؤكد على أن الإبداع بمثابة محرك أساس في عملية التطور، وجزء هام من الثقافة بشكل عام.
الأمر له علاقة أيضاً بضرورات السعي في تأمين العوامل المساعدة لإسناد الابداع نفسه، قبل التسويق له، عن طريق تشجيع وتوجيه الاحتياجات المستجدة للإبداع، مما يؤدي إلى إنتاج وسائل جديدة تلبي المُستجد من هذه الاحتياجات، ونشر تقانات التواصل التي أصبح الأفراد أكثر قدرة على الاختيار والتبني والاستعارة، بفعل تلك التقنيات.
الفرص صارت مواتية اكثر من أية مرحلة سابقة للانتقال بنتاجات الابداع العراقي إلى المنطقة والعالم، بالاستعانة من مناهج التسويق الرقمي، المتاحة في أفضل حالاتها، وما ينقصها فقط العقلية التي تدير قواعد هذا التسويق، بتكييف انتاج النتاج الابداعي العراقي مع متطلبات واحتياجات السوق العالمية بعد التعرف على خصائصها، وبما يمكنها على الوصول والمنافسة، وهو ما يظهر شديد الحاجة إلى اعادة استراتيجيات تسويق المنتج الإبداعي على اختلاف مصنفاته من طريقته التقليدية، إلى تلك التي يمكن ان تصل به إلى أبعد بقاع الأرض.. باعتماد التسويق الرقمي.