الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي
من أين يحصل الفرد العراقي على آخر أنباء مستجدات “كورونا”، وتطّور واقعها المحلي لحظة بلحظة، في مسعى ان يكّيف احتياطاته في خضم مسار المواجهة، وعن المعلومات الدقيقة المتعلقة بلقاحاته، التي هو بأشد الحاجة إليها لإشباع قناعاته واتخاذ قراراته؟
مصدره الأول: صار الأوعية الرقمية المتعددة، بما تضمنته من محتويات مختلفة الاشكال والمضامين والمرامي والدوافع، يقف عندها بمسار غير مقصود، بتصفحه فضاءات الانترنت التي تعج بمعلومات “الجائحة”، او باستهدافها عمداً عبر محركات البحث او المتاجر الإلكترونية، التي تقدم للمستخدمين مئات الخيارات من الاجابات المقترحة، غاب عن الكثير منها سمة الدقة والموثوقية والإلتزام بالمعايير الدولية!
غياب الوصول الآمن
لقد افتقدت العديد من البيانات الرسمية في العراق إلى عنصر الوصول الآمن إلى المستخدمين المستهدفين منها، في اثناء خطوات تناقلها الإلكتروني، عبر التشويه والتأويل والاجتزاء من قبل صناع المحتويات غير المختصين في الِشأن الصحي والدوائي، قابله توافر معلومات مضللة يواصل المتلقي التعرض لها بمسعى مواكبة تطورات الوباء من مصادر إلكترونية عشوائية، اسهمت من تفاقم الأزمة، وارساء قناعات غير صحيحة في اساليب الوقاية من الجائحة او العلاج منها وحتى لقاحاته!
لكن.. ماذا فعلت دول العالم والمنطقة في استراتيجيتها لمعالجة مثل تلك “المعلومات المضللة”، وتقديم رسائلها على انها الأكثر صواباً وموضوعية، على وفق الواقع المحلي لمجتمعاتها، ومستويات وعي أفرادها وطبيعة استعداداتها الصحية، وحجم امكاناتها وتسلسل أولوياتها، ضمن حزمة الخيارات الإلكترونية المتاحة، والتي تشغل عناية الناس، بوصفها المساحة الأكثر أهمية بالنسب لهم، لما احتكمت عليه من عناصر توظيف واجتذاب وتفاعل ووصول سريع للبيانات؟
أقرب الحلول، كان عبر احداثها للتطبيقات الرقمية الرسمية المجانية، التي عملت على تغطية الاتجاهات التوعوية والارشادية وحتى الاخبارية، بتوفيرها للبيانات الموثوقة الكفيلة باشباع حاجة المتلقين، في مسعى عدم البحث عنها من مصادر أخرى، يكون اغلبها مضللاً أو غير حقيقي، بل قدمت بعض التطبيقات خريطة عمل تفصيلية لمواجهة كل مستخدم للوباء، بحسب الحالة المختصة به، وقدمت له مهارات التعامل معه.
العزل الرقمي
اطلقت الجهات الصحية في أغلب البلدان العربية التطبيقات الرقمية المختصة بمواجهة أزمة “كورونا”، منذ بدء انتشار الجائحة في المنطقة العربية، يعتمد البعض منها على خاصة “Buletooth” او “GPS”، او “السوار الإلكتروني”، لتنبيه المستخدمين في حال اصابتهم بالفايروس، لبدء عزل أنفسهم بأسرع وقت ممكن، فضلاً عن تحذيرهم في حال تقربهم الى اشخاص يشتبه بحملهم للفايروس، الى جانب حملها الى بيانات موثوثقة عن واقع انتشار الوباء المحلي.
كما أمكن للتطبيقات الرقمية تقديم خدمات مباشرة بتسهيل التواصل مع المصابين بفايروس “كورونا”، ومراقبة تطور حالتهم الصحية، وتقديم الاستشارات الطبية والنفسية، وكذلك تحديد ارتباطات دعم التقصي الوبائي، ومعرفة مستويات التزام المصابين بالعزل الصحي، ومنها: تطبيق (تطّمن) السعودي، و(الحصن) الإماراتي، و(مجتمع واع) البحريني، و(صحة مصر) المصري، و(ترصد) العماني، و(أمان) الاردني، وغير ذلك.
صحتنا الرقمية
من قبل عصر الجائحة، وظّف العالم التطبيقات الرقمية لتحسين العمل في قطاع الخدمات الصحية بهدف تزويد مؤسسات الرعاية الصحية بأداة علمية وتشاركية بغية تحسين ظروف العمل والصحة والسلامة المهنية للعاملين الصحيين، وجودة الخدمات الصحية، وبما يرتبط بالتخطيط والتطوير، ويؤمن وضع كافة الأجزاء فيه بتواصل مستمر، وبذا صار يمكن للأوعية والتطبيقات الرقمية إحداث تطورات كبيرة في كيفية تفاعل السكان المحليين مع الخدمات الصحية.
لقد اذ تبين بان المحتويات الرقمية المتعلقة بالقطاع الصحي تحسّن من جودة الرعاية الصحية ومدى التغطية بها، وتزيد من اتاحة المعلومات والخدمات والمهارات الصحية بين السكان بشكل عام، فضلاً عن تعزيزها للتغييرات الايجابية في السلوكيات الصحية التي تحول دون انتشار الامراض الحادة والمزمنة.
وتقول منظمة الصحة العالمية انه على الرغم من امكانية تطبيق الاستراتيجيات والحلول التي يمكن ان توفرها الاستخدامات الرقمية فان عدداً من الحكومات بررت عدم الاخذ بمثل تلك الاستراتيجيات في تعدد المشاريع التجريبية التي تفتقر الى الخطط أو اجراءات التعزيز الواضحة، وانعدام الترابط ما بين التطبيقات الرقمية، مع استراتيجيات الصحية والبنى التحتية للمعلومات الصحية الوطنية.
فضلاً عن الافتقار الى المعايير والأدوات اللازمة لإجراء تقييم مقارن لاداء الحلول سريعة التطور، التي توفر الاستخدامات الرقمية من الناحية الوظيفية، مما يؤدي إلى انعدام البيانات اللازمة لوضع الارشادات المعيارية، فضلاً عن عدم اتباع نهج متعدد القطاعات بين الاجهزة الحكومية في الدولة الواحدة، ولاسيما فيما يخص المشاركة بين الوزارات المعنية، من قبيل: وزارات الصحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وحتى القطاع الخاص.
الحاجة الى التطبيق
يتزايد التطبيقات الرقمية في تلبية الاحتياجات اليومية للأفراد، وعلى مختلف انواعها ومستوياتها، لما تقدمه من معلومات وسلوكيات ومهارات بشكل تفاعلي، على الرغم من التحديات التي تواجه الاستخدام الرقمي في عدد كبير من المجتمعات، لاسيما مع تلك التي مازالت تعاني من آثار الفجوة الرقمية، ولم تتخذ مؤسساتها الحكومية الاجراءات الكفيلة بالتقليل من تلك الآثار بعد، بغية الافادة منها في مواجهة التحديات، ومنها أزمة جائحة كورونا في العراق.
في وقت لم نجد فيه ان المؤسسات الحكومية العراقية قد اطلقت أي تطبيق رقمي يختص في هذا المجال، على الرغم من شديد الحاجة إليه، ومازالت وزارة الصحة العراقية تكتفي بتطبيقين رقميين اثنين غير معنيين بمواجهة أزمة الجائحة بالشكل الذي كنا ننتظره، هما: تطبيق “أخبار وزارة الصحة العراقية”، وتطبيق “احصائيات وزارة الصحة العراقية”، ويهتمان بالنشاطات الاخبارية للوزارة، ممثلة بالنشاطات اليومية، وعدد من الاحصائيات، لا في حيثيات ومتطلبات مواجهة الجائحة..!
فيما لم يظهر لنا في اثناء البحث بالمحركات والمتاجر الإلكترونية أي تطبيق رقمي محلي يختص بجائحة “كورونا”، ضمن النطاق الرقمي العراقي ولجميع القطاعات العراقية، إلا مشروع “تطبيق رقمي” الذي أعلنت وزارة الصحة العراقية، منذ عام، وبالتحديد في 14 شباط 2021 عزمها احداثه، ليختص بحجز طلب الحصول على لقاح “كورونا”، فيما أطلقت موقعاً الكترونياً بديلاً عن هذا التطبيق، والمعلوم بان التطبيق الرقمي يكون أكثر فاعلية في تأمين الوصول بالمحتوى مباشرة إلى المستخدم، بالقياس إلى المواقع الإلكترونية.
هذا كله.. قد يدفع بالمستخدم العراقي الى تعلّم مهارات مواجهة الجائحة والحصول على معلوماته بشأن تطوراتها على المواقع الإلكترونية غير الرسمية والمصادر غير الموثوقة، وهو ما يدعو الى ضرورة التنبه الى اصدار تلك وزارة الصحة العراقية لتطبيقها الرقمي المختص بالجائحة، والتوعية بلقاحاتها.