الدكتور محمد فلحي
استاذ الإعلام بجامعة بغداد
تطغى الوظيفة الاخبارية عبر وسائل الاعلام على بقية الوظائف الأخرى، في ما ينشر ويذاع ويبث يومياً على شكل نشرات اخبارية وتقارير وتحليلات ومقابلات وندوات وتحقيقات، ومن بين هذه النسبة المرتفعة للأخبار، تشكّل الأخبار السياسية والأمنية الحصة الأوفر دون شك، في ظل الأزمات والصراعات التي يشهدها العالم!
السبق الإخباري لم يعد في ميدان الصحافة والقنوات الإذاعية والتلفزيونية فحسب، بل اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، ضمن الفضاء المفتوح، وما يسمى بـ”صحافة المواطن” في ظل غياب الرقابة والمعايير المهنية، فكل مستخدم لشبكة الإنترنت ومواقعها التفاعلية، هو مرسل ومتلقي في آن معاً..!
في إطار هذه البيئة الإعلامية،تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، قبل أيام عملية اختطاف عدد من الأشخاص، بينهم ضابط، من قبل المجموعات الإرهابية، خلال رحلة صيد في منطقة حمرين، ويمكن أن يدرج نشر الخبر وتغطيته ومتابعته، ومن ثم نتائجه المؤسفة، في سياق السباق الإخباري والعناوين العاجلة التي تعتمد السرعة في الأخبار وعدم مراعاة الدقة والمحاذير الأمنية، وعدم الانتباه إلى الانعكاسات السياسية والاجتماعية والعواقب المرتبطة بتلك الواقعة وغيرها الكثير.
خلصت الكثير من الدراسات والبحوث الاعلامية إلى وضع خمسة معايير مهنية ينبغي مراعاتها من قبل الاعلاميين في مجال الأخبار، وهي:
- الأهمية: ليس كل حدث يكون مهمّاً، وليس كل حدث يصلح ان يكون خبراً للنشر والبث ومن ثم فإن معيار الأهمية لا بد ان يكون دقيقا وحاضراً في ذهن الإعلام.
- المصداقية: الخبر هو حدث وقع بالفعل وليس قصة خيالية او ملفقة او كاذبة.
- الدقة:عند سرد الخبر يجب مراعاة الدقة في الأسماء والمواقع والحقائق والأرقام دون مبالغة او إهمال او زيادة او نقصان!
- الموضوعية ضد الذاتية، وتعني مراعاة المصلحة العامة والابتعاد عن الاحكام والمؤثرات الشخصية.
- التوازن ضد التحيز والانحراف، فعند عرض الحدث او الواقعة يجب تقديمها من الجوانب كافة، ومن زوايا مختلفة، ومراعاة الرأي والرأي الآخر، بهدف الوصول إلى الحقيقة.
إذا وضعنا حادثة الاختطاف المذكورة آنفاً على مشرحة المعايير المهنية، نجد أن الكثير منها قد توفرت فيها، لكن هناك جانب لم يحظ بالاهتمام،وكانت نتائجه خطيرة مؤسفة، وهو الحذر الأمني، وكان ينبغي عدم كشف أية معلومات تهدد حياة الضحايا أو يمكن أن يستفيد منها العدو،فقد تم كشف أسماء الأشخاص المختطفين وصفاتهم الوظيفية، فور نشر الخبر،ولم ينتبه الناشرون إلى احتمال أن الضحايا سوف يخضعون للتحقيق وأنهم قد يخفون بعض المعلومات أو يرفضون الآعتراف بهوياتهم ووظائفهم من أجل المحافظة على حياتهم!
التغطية المتعجلة بدون معايير مهنية أمنية جعلت التنظيم الإرهابي يحصل على معلومات مجانية، حول الأسرى المختطفن،ولا شك أن هذا السبق الإخباري الخاطيء كان ثمنه حياة الضحايا الأبرياء رحمهم الله!
وفي واقعة أخرى جرت تغطية جريمة جبلة بمعلومات متعجلة ثبت عدم مصداقيتها في الايام اللاحقة وتغيرت القصة تماماً!
أما حكاية الطبيبة المزورة فتصلح ان تكون نكتة مضحكة وليس خبراً!
الخلاصة ليس كل خبر يصلح أن يكون عاجلاً، فالعواجل في سباق الأخبار فيها مخاطر يجب مراعاتها، وإن النشر في الفضائيات او مواقع التواصل يفترض أن لا يتجاهل القواعد المهنية والأخلاقية والأمنية في ظل بيئة خطرة، سواء على الإعلاميين أو صناع الأحداث أو شهودها وضحاياها الكثيرين!