نور جاسم
عضو فريق التفاوض الرقمي
على مدى السنوات الأخيرة، واجه المجتمع العراقي ارتفاعاً مقلقاص في معدلات التنمر عبر الإنترنت مقارنة بالدول الأخرى, وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب زيادة النشاط الرقمي بين المراهقين خلال عمليات الإغلاق في أزمة الجائجة.
فالتنمر لم يعد يقتصر على ساحات المدارس أو زوايا الشوارع, إذ يمكن أن يحدث في اي مكان حتى في المنزل، عبر الهواتف الذكية ورسائل البريد الإلكتروني والنصوص ومواقع التواصل الاجتماعي، فعلى مدار 24 ساعة يستخدم المتنمرون عبر الإنترنت التكنولوجيا الرقمية لمضايقتك أو تهديدك أو إذلالك, على عكس التنمر التقليدي، فلا يتطلب التسلط عبر الإنترنت الاتصال وجها لوجه ولا يقتصر على حفنة من الشهود في كل مرة, كما أنه لا يتطلب قوة جسدية أو كثرة في أعداد الاشخاص.
يأتي التنمّر الرقمي بجميع الأشكال فيمكن لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت أن يتنمر على الآخر، من دون الحاجة إلى الكشف عن هويته الحقيقية, ويمكن للتنمر أن يلاحقك لدرجة قد يصل فيها الفرد الى عدم الشعور بالأمان حتى في منزله، وببضع نقرات يمكن أن يشهد الإذلال مئات أو حتى آلاف الأشخاص عبر الإنترنت.
فالأساليب التي يستخدمها المراهقون والشباب للتسلط عبر الإنترنت متنوعة وخيالية ما بين إرسال رسائل تهديد أو تهكم عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو التعليق عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو واضعي “تفاعل اضحكني” على منشور خاص بفقدان شخص معين, أو الرسائل الفورية لاقتحام حساب بريدك الإلكتروني أو سرقة هويتك عبر الإنترنت لإيذائك وابتزازك عن طريق تهكير حسابك الشخصي عبر احد مواقع التواصل الاجتماعي, فقد يقوم بعض المتنمرين عبر الإنترنت بإنشاء موقع ويب أو صفحة وسائط اجتماعية لاستهدافك وهذا يحصل غالبا مع الشخصيات المعروفة في المجتمع مثل السياسيين والإعلاميين وحتى الشخصيات المؤثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي, بالإضافة إلى الاشخاص الذين لديهم الأعداء على مستوى سوق العمل او الدراسة.
فيتنمر كل من الفتيان والفتيات عبر الإنترنت بطرق مختلفة, إذ يميل الأولاد إلى التنمر عن طريق “الرسائل الجنسية” أو الرسائل التي تهدد بالأذى الجسدي, ومن ناحية أخرى تميل الفتيات لنشر الأكاذيب والشائعات أو كشف أسرارك أو استبعادك من مجموعات التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني وقوائم الأصدقاء وما شابه ذلك.
ويشير التنمر الإلكتروني الذي يُطلق عليه أحياناً الإساءة عبر الإنترنت، إلى السلوكيات التي يتسبب فيها الشخص بشكل متكرر في إلحاق الأذى بالآخرين باستخدام الأجهزة والتقنيات الإلكترونية, إذ سهلت وفرة الأجهزة الحديثة التي لها إمكانية الوصول إلى الإنترنت على المتنمرين الرقميين البقاء مجهولي الهوية، واصبح بإمكانهم إنشاء حسابات متعددة بهويات مختلفة, مما منحهم حرية مهاجمة العديد من مستخدمي الوسائط الاجتماعية في وقت واحد، وغالباً من دون عوائق.
بينت لنا نتائج دراسة اعدتها “كلية الدراسات الاجتماعية في جامعة مساريك التشيكية” بعد ما تم اخضاع مجموعة من طلبة المدارس كعينة للدراسة لغرض معرفة ردود الفعل نتيجة التعرض للتنمر عبر الإنترنت, انهم قد عبروا عن ذلك بصعوبة مواجه هذا الموقف المحزن الذي يختلط فيه شعور الفرد بالغضب والحزن والقلق والإحراج والبكاء والخوف ولوم الذات, كما تم اكتشاف تأثيرات أخرى من خلال هذه الدراسة متمثلة بتدهور التركيز للطالب وضعف الدرجات المدرسية بالإضافة إلى التغيب المستمر عن المدرسة.
فإذا تعرضت للتنمر الرقمي من المحتمل أن تتأثر صحتك الجسدية، وتكون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل الصحة العقلية، مثل الاكتئاب أو تدني احترام الذات أو القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة لدى البالغين, ففي الكثير من الحالات، يمكن أن يكون التنمر الإلكتروني أكثر إيلاماً من التنمر وجهاً لوجه، وربما يجعل العديد من الضحايا يفكرون في الانتحار!