الاستاذ الدكتور عمار طاهر محمد
عميد كلية الإعلام/ جامعة بغداد
تشكل تقنيات الاتصال ونقل المعلومات رافدا أساسيا وركنا مهما في بناء منظومة الانسان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في ظل التحولات المعرفية بالوقت الراهن الذي شهد تطورات متسارعة ومتلاحقة على الصعيد التكنولوجي، الامر الذي أسهم في التواصل الإنساني والحضاري، حيث تنامى اعتماد الافراد على الشبكة العالمية للمعلومات (الانترنت)، وازداد استخدام المواقع الالكترونية والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي.
وقد وفّرت شبكات التواصل الاجتماعي هذه بيئة تفاعلية افتراضية، واحتلت مساحة كبيرة من وقت وفكر ووجدان الفرد بمختلف الفئات العمرية دونما اعتبار للفوارق الجغرافية والدينية والعرقية والسياسية والاقتصادية، فضلا عن النوع والسن، حيث أصبح بمقدوره ان يشارك ويشكل بيئة جديدة، وهو ما يعد اقصى حالات المشاركة الاتصالية والاجتماعية، ليمتزج الاتصال الذاتي والشخصي والجمعي والجماهيري بطريقة اعادت تشكيل الحياة الاجتماعية والاتصالية للفرد والمجتمع.
وتعد شريحة كبار السن فئة مهمة في جميع المجتمعات تقريبا لما تحظى به من احترام ومكانة اعتبارية، ولما لها من خصوصية تتمثل باهتمامات معينة تختلف عن بقية الفئات العمرية الأخرى، تتناسب مع السن واوقات الفراغ والحاجات والاشباعات والعلاقات الاجتماعية، فضلا عن نظرتهم المختلفة للأشياء نتيجة الخبرات المتراكمة على مدى سني حياتهم.
ومن المنتظر أن تصبح الشيخوخة واحدة من التحولات الاجتماعية الأكثر أهمية في القرن الحادي والعشرين، حيث ستؤثر على جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك سوق العمل والأسواق المالية، والطلب على السلع والخدمات، مثل السكن والنقل والحماية الاجتماعية وكذلك الهياكل الأسرية والعلاقات بين الأجيال.
وتشير البيانات الصادرة عن تقرير التوقعات السكانية في العالم عن زيادة عدد كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 60 عاما أو أكثر بشكل كبير في السنوات الأخيرة في معظم البلدان والمناطق، ومن المتوقع أن يتسارع هذا النمو في العقود المقبلة.
ويلاحظ في الاعوام الأخيرة زيادة في استخدام كبار السن المواقع الالكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي بدرجة لا تقل كثيرا عن اهتمام الفئات العمرية الأخرى، حيث يقبل هؤلاء على تعلم مهارات التواصل الالكتروني نتيجة لدوافع عديدة، بحيث أصبحت البيئة الافتراضية جزءا مهما في حياتهم للتواصل مع الاخرين، واقامة علاقات اجتماعية جديدة، وتحقيق بعض الرغبات تخلصا من اثار الوحدة والانعزال.
- تلاشي الحدود والفوارق
وتمثل المواقع الالكترونية عموما ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص أهمية كبيرة على المستوى الشخصي والاجتماعي للأفراد بعد ان تلاشت الحدود والفوارق، اذ أصبح بإمكان الجميع ان يكتب ويقرا ويراسل ويتفاعل في بيئة ديمقراطية اتصالية مفتوحة، تتيح للإنسان مكانا جديدا يستطيع ان يعبر فيه عن نفسه الكترونيا وبامتياز.
ويتطلب استخدام المواقع الالكترونية على بنى تحتية معينة، كالأجهزة الذكية، وخدمة الانترنت، ومهارات فردية تتمثل بطريقة التعامل مع التقنيات الحديثة، لذلك فقد اثبتت احدى الدراسات أن الشباب والمراهقون من أكثر الفئات استخداما لهذه المواقع، الا ان شبكات التواصل الاجتماعي شهدت تدفقا لكبار السن بوتيرة سريعة، حيث يشير كل من( Facebook ، Twitter ، Google+ ، (Hangouts) ، Pinterest ، Instagram) إلى ارتفاع معدلات التبني والاستخدام من قبل البالغين من العمر 65 عامًا، بل ان بعض الدراسات الأجنبية إشارت الى ان كبار السن هم أسرع الجمهور نمواً على الرغم من الاعتقاد الشائع أن هؤلاء لا يستطيعون إدارة التكنولوجيا بسبب العجز المعرفي .
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة وجود زيادة مطردة في أعداد المسنين ممن تجاوزت أعمارهم سن الستين، فبعد أن كان عددهم لا يتجاوز ١٨٨ مليوناً عام ١٩٥٠، بلغ عددهم في العام ١٩٨٠ أكثر من ٤٩٠ مليوناً، ثم أكثر من ٦٠٠ مليون في العام ٢٠٠٠، ومن المتوقع أن يصل العدد في عام ٢٠٢٥ إلى أكثر من مليار مُسن.
فقد بلغ عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 60 عاما أو أكثر في جميع أنحاء العالم حوالي 901 مليون انسان عام 2015، أي بزيادة عالمية قدرها 48 في المائة لعدد كبار السن حيث كان يبلغ 607 مليون انسان عام 2000. ومن المتوقع أن ينمو عدد الأشخاص في العالم إلى 1.4 بليون شخص بين في عام 2030، ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم من كبار السن إلى أكثر من ضعف الحجم الذي كان في عام 2015 ليصل إلى ما يقرب من 2.1 مليار بحلول عام 2050.
وبحلول العقود القليلة المقبلة، تكون المنطقة العربية في أوج هذه التحولات الديمغرافية الجذرية وغير المسبوقة، اذ من المتوقع أن يرتفع عدد البلدان التي تشكل فيها الفئة العمرية 65 وأكثر من 10 في المائة من مجموع السكان إلى 3 دول بحلول عام 2030 وإلى 15 دولة بحلول عام 2050.
وتشير التوقعات إلى تسارع وتيرة الشيخوخة في المنطقة بعد عام 2025بحيث سوف تشكل نسبة كبار السن 2.7 % من مجموع السكان في عام 2035 و3.9 % في عام 2045، ويمكن ملاحظة التغيرات الديمغرافية في المنطقة العربية في الشكل المتغير للهرم السكاني للمنطقة، حيث سينتج تقلص في قاعدة الهرم السكاني في عام 2030، ويستمر في الانكماش إلى أن يبدأ في اتخاذ شكل مستطيلي بحلول عام 2050.
ان بلوغ الانسان مرحلة ما بعد 60 سنة أي مرحلة ما قبل التقاعد تبدأ لديه متغيرات نفسيه تؤثر في اتجاهاته السلوكية حيث يعمل معظم كبار السن على التكييف مع هذا العمر
وتعد مرحلة الشيخوخة مرحلة مهمة في حياة الانسان فهي لا تقل في الاهمية عن مرحلة الطفولة او الشباب، ولكن بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية السريعة التي تحدث في المجتمع فأن طبيعة العلاقات بين الافراد قد تغيرت، وكل ذلك اثر على كبار السن، وأدى الى تزايد مشكلاتهم، وظهور مشاكل جديدة لم يكونوا يعانون منها في السابق، كما ان هذه الفئة العمرية تعاني من نظرة اهمال، وعدم اهتمام وعدم رعاية، بل قد تصل الى درجة اعتبارهم معاقين، وعاله على كاهل افراد الاسرة والمجتمع ، مع ان المسنين هم طاقة بناءة إذا تم استثمارها واستغلالها والاستفادة منها على الوجه الحسن من خلال تقديم الرعاية والاهتمام اللازمين لهم.
فكبار السن يعانون من الانغلاق الاجتماعي والعزلة نتيجة لافتراق الاسرة، ولضعف الحركة التي تحدد نشاطاتهم، وتناقص افراد جيلهم، ورحيل اصدقائهم، حيث تزداد الوحشة الاجتماعية عندما يموت أحد الزوجين، وينشغل عنه الأولاد، او يشعر انهم منشغلون عنه او مهملون له. - تجارب ايجابية
وهنا تبرز بعض التجارب الإيجابية لدى كبار السن مع المواقع الالكترونية، ولاسيما شبكات التواصل الاجتماعي فقد وجدت دراسة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية (APA) أن كبار السن الذين يقضون الوقت على شبكات التواصل الاجتماعي كانوا أكثر عرضة للمشاركة في الأنشطة التي يمكن أن تؤدي إلى صحة أكبر، مثل طبخ وصفات صحية، وإيجاد طرق أسهل لتنظيف منازلهم والحفاظ عليها. تشير الدراسة أيضًا إلى أن لديهم انخفاض في ضغط الدم وحالات أقل من مرض السكري وعادات صحية أقل سلبية مثل التدخين أو الاكتئاب أو المرض. ويعزى ذلك إلى القدرة على التعليم الذاتي في أي عدد من الموضوعات، والبقاء على اطلاع بشأن أحدث اتجاهات التكنولوجيا.
وتعمل المواقع الالكترونية، ولاسيما شبكات التواصل الاجتماعي، على إبقاء كبار السن مع اسرهم معا، فهي مفيدة بشكل خاص للتواصل مع أحبائهم، وتساعد على سد الفجوة بين الأجيال، حيث تتيح مشاركة الصور، وتخلق تقاربًا ومشاركة ربما لم تكن موجودة، كما تعد محادثات الفيديو طريقة جيدة للتواصل واستعادة ذكريات رائعة أو إنشاء ذكريات جديدة من خلال نشر الصور ومقاطع الفيديو المنزلية، ويوظف كبار السن كذلك المواقع الالكترونية للتسوق عبر الانترنت والحصول على خدمات التوصيل.
بالمقابل ثمة العديد من المعوقات التي تواجه كبار السن، قد تعرقل او تعطل التلقي الالكتروني، مثل المعوقات التقنية او الصحية او الموضوعية او النفسية او الاجتماعية، مثل ضعف المهارة في استخدام التقنيات الالكترونية، وعدم مواكبة المستجدات في مجال التقنيات الالكترونية، وصعوبة تعلم الإضافات التقنية الجديدة على المواقع الالكترونية، فضلا عن الامراض العضوية مثل تكلس الفقرات العنقية وانحناء العمود الفقري وضعف البصر، او لأنها تؤدي الى هدم العادات والتقاليد والاعراف المجتمعية عبر التواصل غير الشرعي واقامة علاقات محرمة او تحول دون التواصل بيني وبين افراد الاسرة بشكل واقعي والخ من الأسباب الأخرى. - معوقات ذاتية وموضوعية
وتمثل شريحة كبار السن فئة مهمة من فئات المجتمع العراقي، اذ لها مكانتها المتميزة في وجدان الناس، ومع ذلك فان هذه الفئة العمرية تعاني من مشاكل صحية ونفسية واجتماعية تجعلها أحيانا تعاني نوع من العزلة والانغلاق بسبب الظروف المحيطة، ولكن مع ظهور الاعلام الجديد، ووجود الفضاء الافتراضي، دفع العديد من المتقدمين في السن الى الدخول والاتصال والمشاركة والتفاعل مع الاخرين لتلبية حاجات واشباعات معينة.
هذا الاقبال من كبار السن واجه بعض المعوقات الذاتية والموضوعية تتعلق بجوانب مختلفة، ولاسيما بعد ان أصبحت هذه الشريحة جزءا من المجتمع الافتراضي، والبيئة الاتصالية الجديدة، وغادرت عادات القراءة والتعرض، بعد ان انصرفت الى التلقي الالكتروني على حساب وسائل الاعلام التقليدية (الصحافة والاذاعة والتلفزيون).
فالصحافة بنسختها الورقية التي كان يفضلها كبار السن تعيش اسوأ كوابيسها في الوقت الحاضر بالبلد وحتى العالم، بسب الازمات الاقتصادية ، وانصراف الجمهور الى المواقع الالكترونية، ففي العراق لا تطبع كبريات الصحف سوى 7 الاف نسخة يوميا، وهي لا تتناسب مع عدد السكان البالغ عددهم اكثر من 30 مليون نسمة، اي تطبع بمعدل صحيفة واحدة لكل 4285 مواطن ، كما انها تباع في مناطق لا تتعدى مراكز المدن، اذ لاتصل حتى الى الضواحي، في حين تؤكد بعض الاحصائيات التي اجرتها مواقع عالمية متخصصة ان عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في العراق قد تجاوز المليونين شخص، فيما ذكرت دراسة أوردتها مجلة “كمبيوتر وورلد” الأميركية إن عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي سيرتفع بحلول عام 2017 إلى 2.33 مليار شخص من مجموع سكان العالم البالغ 7،20 مليار حسب اخر احصائية في عام 2014.
ومع التزايد الملحوظ في استخدام المواقع الالكترونية من قبل كبار السن (60 سنة فأكثر) ظهرت بعض العوامل التي تعيق التلقي الالكتروني بعضها ذاتية تتعلق بالشخص نفسه، وبعضها الاخر موضوعية تخص البيئة الاتصالية الجديدة والظروف المحيطة.
ففي دراسة اجريناها عن المجتمع العراقي للتقصي على معوقات التلقي الالكتروني لدى كبار السن، والتعرف على أبرز هذه المعوقات، وجدنا ان هؤلاء يستخدمون الهاتف النقال أكثر من بقية الوسائط الاتصالية الأخرى، كونه متوفر دائما لدى الجميع، فضلا عن مميزاته الأخرى المتمثلة بسهولة النقل، واحتوائه على جميع التطبيقات والبرامج المتوفرة في الوسائط الأخرى. - الاندماج مع البيئة الاتصالية
واتضح ان كبار السن يستخدمون التقنيات الحديثة للتواصل مع الأقارب والأصدقاء القدامى، حيث توفر المواقع الالكترونية، ولاسيما شبكات التواصل الاجتماعية، فرصة لاستمرار العلاقات الاجتماعية وبشكل مجاني، حيث توفر هذه الشبكات إمكانية التواصل النصي، وتبادل الصور، ومقاطع الفيديو، فضلا عن الاتصال المباشر، مثلما توفر فرصة لكبار السن للتخلص من الوحدة، والقضاء على وقت الفراغ، حيث يبحرون بعالم افتراضي، لا حواجز او كوابح فيه، يلغي المسافات المكانية والزمانية.
كما يوفر الفضاء السيبراني المتعة والسعادة لكبار السن، ولاسيما ان هذه الشريحة لديها فائض من الوقت، حيث يحال معظمها على التقاعد، وهي بحاجة الى الترفيه الذي لا يتطلب حركة وانتقال او بذل مجهود جسدي، مثلما يدفع ذلك كبار السن الى الاطلاع على ما يدور من حولهم عن طريق التلقي الالكتروني كونهم لا يغادرون أماكنهم الا في أوقات الضرورة، بالمقابل لا يستخدم هؤلاء التلقي الالكتروني للاطلاع على الإعلانات كون اكثرها لا تعنيهم في حياتهم اليومية، فضلا عن محدودية الدخل.
ويتجه كبار السن في العراق الى التقنيات الحديثة، والاندماج مع البيئة الاتصالية الجديدة، للاطلاع على ما يدور حولهم من احداث، وللترفيه والهروب من المشكلات اليومية، والحصول على علاقات اجتماعية جديدة، والمشاركة في مجموعات ذات توجهات مشتركة.
ويتفاعل كبار السن أحيانا اثناء التلقي الالكتروني، حيث يستخدم هؤلاء التلقي الالكتروني للتواصل مع الأقارب والأصدقاء القدامى، اذ يتطلب التواصل التفاعل المتواصل، والاطلاع على اخبار الاخرين.
وتتناغم خيارات كبار السن في العراق مع اشكال التفاعل المختلفة، اذ انهم يتفاعلون من خلال ابداء الاعجاب بمنشورات الاخرين والتعليق عليها، فضلا عن الدردشة او الرد على التعليقات ونشر الموضوعات ومشاركة منشورات الصفحات الأخرى، والرد على تعليقات الاخرين على منشوراتي، ونشر الصور ومقاطع الفيديو، وذلك ما يتناسب مع الظروف، واعمار هذه الفئة العمرية. - معوقات تقنية
وتباينت معوقات التلقي لدى كبار السن في العراق، وقد تراوحت هذه المعوقات بين التقنية والصحية والموضوعية والاجتماعية والنفسية، فقد دلت الدراسة ان ضعف المهارة في استخدام التقنيات الالكترونية من أبرز المعوقات التقنية التي تواجه كبار السن وذلك نظرا لدخول هذه التقنيات الحديثة مؤخرا الى المجتمعات العربية، ومنها المجتمع العراقي، حيث تتطلب معرفة ومهارة معينة قد يجد بعض كبار السن صعوبة في استيعابها، اذ ان تعلم التقنيات في مراحل عمرية متأخرة يشكل تحديا معينا.
وشكلت عوامل عدم مواكبة المستجدات في مجال التقنيات الالكترونية، واستخدام تقنيات التلقي الالكتروني في مراحل متأخرة من العمر، وظهور مواقع الكترونية جديدة تتطلب معرفة تقنية معينة، وصعوبة تعلم الإضافات التقنية الجديدة على المواقع الالكترونية معوقات تقنية أخرى واجهها كبار السن بالعراق في البيئة الاتصالية الجديدة.
واختلفت المعوقات الصحية بين كبار السن، اذ اتضح ان أجزاء الجسم التي تسهم بشكل مباشر في التلقي الالكتروني تعد من اهم المعوقات الصحية التي تواجه كبار السن، فالأمراض العضوية، مثل تكلس الفقرات العنقية، وانحناء العمود الفقري، وضعف البصر تعوق التلقي الالكتروني لهذه الفئة العمرية التي تعاني في هذا السن من امراض الشيخوخة.
كما تعددت الأسباب الأخرى التي يرى كبار السن انها تشكل معوقات صحية تواجههم في حياتهم اليومية بعد ان اعترف عدد كبير منهم انهم لا يلجئون الى البيئة الاتصالية الجديدة لاتها تؤدي الى التقاعس والكسل، وعدم الحركة، وتشغلهم عن الانشطة الجسمانية، وممارسة الرياضة، وتشجعهم على الجلوس لفترات طويلة.
اما المعوقات الموضوعية فقد تعددت أسبابها، حيث لا يستخدم عدد كبير من كبار السن التلقي الالكتروني بسبب الاخبار الكاذبة والشائعات، في ظل عدم وجود تنظيم للفضاء الافتراضي بالعراق، وضعف الإجراءات حول الجريمة الالكترونية، ووجود فوضى وغياب للتنظيم الصحيح لهذه التقنية المتاحة للجميع، مما يجعلهم يترددون في استخدام التلقي الالكتروني لعدم قناعتهم بالمنشور، وخشيتهم من التعرض الى تجاوزات او انتهاك للخصوصية، فيما وجد الاخرون الاطالة والاستغراق في الاستخدام اهدار للوقت.
ويخشى كبار السن من القرصنة والسطو على الملفات الصور والمعلومات وافلام الفيديو، كما لا يحبذ بعضهم التلقي الالكتروني، ولاسيما شبكات التواصل الاجتماعي، كونها تقدم معلومات سطحية وتفتقر الى النقاشات، والتعليقات، والحوار المتمدن، وتتصف بعدم قبول الراي الاخر.
ان قصور القوانين النافذة وتقادمها مقابل القفزة العلمية الهائلة في مجال التقنيات الحديثة جعل الموضوع بات ملحا لتحديث المنظومة القانونية في ظل متغيرات العصر والنظام الديمقراطي الجديد، فالعراق بحاجة الى مراجعة شاملة لكل التشريعات النافذة، بشرط ان تكون بذات الجودة والمتانة، والبلد الذي علم العالم سن القوانين عبر مسلة حمورابي لا يعدم فقهاء في القانون من قضاة وأكاديميين، يجددون الاصل بنسخة حديثة تتناغم مع ما هو قائم على الارض. - الانغلاق والعزلة
ويدرك بعض كبار السن ان البيئة الاتصالية الجديدة تفضي الى الانغلاق، وربما يضيف عزلة مضافة الى ما هم عليه، حيث يلتقون باسرهم في أوقات محددة نتيجة لانشغال الأبناء عنهم بأعمالهم اليومية، لذا فهم يرغبون باللقاءات العائلية المباشرة أكثر مما يوفره التلقي الالكتروني، كما ان بعضهم ينأى بنفسه عن المضامين التي تروج الى انحلال القيم الاسرية، ويجدونها معوقا يؤثر في التلقي الالكتروني.
فيما يرى البعض الاخر ان أبرز المعوقات الاجتماعية للتواصل الالكتروني كونه يسهم بنشر الافكار الهدامة والالحاد وازدراء الأديان، ويروج ويشيع الى ما من شانه تفكيك القيم الاسرية والأخلاقية عبر التواصل غير الشرعي، واقامة علاقات محرمة، حيث يستخدمها البعض للتشهير في الناس، في حين وجدت لخدمة البشرية، فهي تدل على رقي المجتمعات وتحضرها، وتهدف الى غايات انسانية نبيلة.
ويعزف بعض كبار السن عن التلقي الالكتروني كونه يؤدي الى الإدمان والسهر بسبب الاستخدام المفرط والانكفاء على شاشة الحاسوب او الهاتف النقال، وزيادة حالة العزلة والاكتئاب والامراض النفسية، اذ تتحسس هذه الفئة العمرية من بعض الهواجس النفسية نتيجة التقدم في السن وقلة الحركة، فضلا عن انها تؤدي الى الانفصام عن الواقع والابحار في عالم افتراضي ليس له علاقة بالواقع.
ومن الجدير بالذكر تبين وجود فوارق بين كبار السن من حيث التحصيل الدراسي، ومدى استخدام التلقي الالكتروني، والحالة الاجتماعية، ومدى استخدام التلقي الالكتروني، في حين لا توجد فوارق تذكر من حيث النوع كذكور واناث في الاستخدام.
أخيرا ان ثمة تحديات تواجه كبار السن في البيئة الاتصالية الجديدة تختلف من مجتمع الى اخر، تتطلب تذليلها من اجل اندماج هذه الفئة المهمة، وتفاعلها وخروجها من حالة العزلة والانغلاق عن طريق تعلم مهارات جديدة تتيح لها التواصل، وتحقيق دوافعها، واشباع رغباتها، لما لهذه الشريحة من مكانة مهمة من الناحية الاعتبارية فضلا عن إمكانية توظيفها والاستفادة من خبراتها وتذليل المعوقات التي تحول دون تفاعلها وتواصلها مع الاخرين.
المصادر:
1- عمار طاهر محمد، دوافع وانماط استخدام الشباب العراقي لشبكات التواصل الاجتماعي، مجلة آداب المستنصرية، الجامعة المستنصرية، العدد 68، عام 2015.
2- محمد مصطفى حسينات، صفية جبالي، مشكلات كبار السن (النفسية، الصحية، الاجتماعية، الاقتصادية) من وجه نظرهم، مجلة البحوث التربوية والنفسية، جامعة بغداد، المجلد 7، العدد 24.
3- محمد مصطفى رفعت، الراي العام في الواقع الافتراضي وقوة التعبئة الافتراضية، القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2018.
4- هدى خليل أبو معليق، فخر عدنان عبد الحي، الاغتراب النفسي لدى المسنين الذين يعملون في اعمال خاصة، بحث مقدم الى قسم الارشاد التربوي، كلية التربية، جامعة دمشق، 2007.
5- https://www.comfortkeepers.com/home/info-center/aging-in-place/seniors-and-the-positive-impact-of-social-media
6- United Nation (2010). World Statistics, http://www.un.org.
7https://www.unescwa.org/sites/www.unescwa.org/files/page_attachments/global-frameworks-older-persons-advance-copy-ar.pdf