أم.د. شريف سعيد حميد السعدي
جامعة بغداد / كلية الإعلام
قسم الصحافة الإذاعية والتلفزيونية
نحن نعيش جميعا عصر تكنولوجيا الاتصال والاعلام وما يشير له المتخصصون والمهتمون عصر الإعلام الجديد او البديل, التي أفرزته التطورات الكبيرة في وسائل الاتصال الحديثة, والصناعة او الانتاج النمطي للأجهزة الحديثة والرقمية المتعلقة بتلك الوسائل المتمثلة بأجهزة الحواسيب الصغيرة واللوحية, والأجيال المتقدمة من الهواتف المحمولة الذكية, وارتباطها بثورة المعلومات، وقد ساعدت الى حد كبير الى تعريف افراد الجمهور بالإحداث والمعلومات لحظة وقوعها, إذ ليس على مستوى الاحداث العامة الجارية فقط ولكن الأحداث على المستوى الشخصي ايضاً.
ويشير الإعلام الجديد الى مجموعة تكنولوجيات الاتصال التي تولدت من التزاوج بين الكومبيوتر والوسائل التقليدية للإعلام الطباعة والتصوير الفوتوغرافي والصوت والفيديو, او هو الطرق الجديدة في الاتصال مع البيئة الرقمية بما يسمح للمجموعات الاصغر من الناس بإمكانية الالتقاء والتجمع على الانترنت وتبادل المنافع والمعلومات, وهي بيئة تسمح للأفراد والمجموعات بإسماع أصواتهم وأصوات مجتمعاتهم الى العالم أجمع, وقد أسهمت هذه التطورات في تحقيق مجموعة من المميزات التي تُعَدُّ ابرز خصائص وسمات الاعلام الجديد التي أشار لها العالم “توفلر” كسمات تكنولوجيا الاتصال الحديثة المتمثلة ﺑ “التفاعلية, وتفتيت الجمهور (اللاجاهيرية), والاتصال اللاتزامني, والقابلية للتحرك أو الحركية, والقابلية للتحويل, وقابلية التوصيل، والشيوع والانتشار, العالمية او الكونية, التأثير على المستفيدين, وظهور ظاهرة الطبقية الاتصالية”، التي أتاحت للأفراد إمكانيات اتصالية غير متوفرة بالوسائل التقليدية “الصحف, الراديو, التلفزيون” ومن ابرزها القدرة على تبادل الادوار بين المرسل والمتلقي، فضلا عن إمكانية التعرف على رجع الصدى او ما تسمى ﺑ “التغذية العكسية” للجمهور مباشرة او بعد وقت قصير, وإمكانية الاتصال حتى في وقت عدم وجود الاشخاص على الانترنت والقراءة او الاستماع او المشاهدة لمضمون معين في وقت آخر أو إي وقت يشاء, وكثير من تلك المميزات التي جعلتها من اهم الظواهر في حياتنا اليومية, ناهيك عن ظهور شبكات ومواقع للتواصل الاجتماعي على قدر كبير من الاتصال الفعال بين جميع الافراد في ارجاء المعمورة ومن ابرزها موقع “فيسبوك” الذي أضحى من أهم وأكثر المواقع التي عن طريقه يقضي الأفراد جل وقتهم في النشر والتعليق والحوار ومتابعة مضامين معينة تتفق مع ميولهم ورغباتهم وتوجهاتهم السابقة, وتشير الاحصائيات الى ان عدد العراقيين الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا على “فيسبوك” قد تجاوز عددهم (13) مليون في عام 2017, اما عراقيو الخارج فلا توجد احصائية موثوق بها تشير الى اعدادهم, ولنفترض انهم قرابة (3) ملايين, بمعنى ان عدد العراقيين اللذين يستخدمون هذا الموقع اكثر من (16) مليون مستخدم وبحسبة بسيطة ولو فرضنا ان هؤلاء ينقلون ما يشاهدونه من موضوعات عبر هذا الموقع الى شخص او شخصين فان الرقم سوف يتضاعف الى ثلاث مرات وبهذا يكون معظم العراقيين تقريبا يتأثرون بذلك سواء سلبيا ام ايجابيا, وقد وفرت هذه المواقع مجموعة من الخصائص من بينها انها تقدم معلومات مجانية عن طبيعة العلاقات الاجتماعية بين افراد المجتمع وكذلك تسهم في التعرف على الآراء والمواقف ومشاعر وتوجهات الناس “الاصدقاء و الاقارب” او العامة ازاء موضوعات وقضايا عديدة اضف الى ذلك انها تسهم في التعبير عن ما يدور في داخل الانسان من هواجس وميول ذاتية ومن ثمّ تساعد الافراد في ان تضفي عليهم وعلى الاحداث الجارية نوعا من الجاه عبر تسليط الاضواء تجاههما, وغيرها من الخصائص الاخرى التي توفرها لهم تلك المواقع, ان تلك المقدمة الطويلة التي اشرت لها بالتأكيد تشكل اهمية كبيرة وتسلط الضوء على وسيلة مهمة من وسائل الاتصال في هذه المرحلة من حياتنا .
لاشك ان لهذه الوسيلة مجموعة من الاثار او الانعكاسات السلبية والايجابية على المجتمع الذي نعيش فيه وكذلك على مستوى العلاقات الاجتماعية بين الاصدقاء والأقارب لاسيما ما نشاهده من نشاطات وتعليقات وأفكار لشخصيات تهمنا جعلتنا نفهم تفكيرهم ونتعرف على آراءهم وتطلعاتهم التي لم تسهم الحياة الماضية التي قضيناها معهم في التعرف على تلك المؤشرات والملاحظات عنهم, الثابت أن الأفراد يقومون بمجموعة من النشاطات والمشاركات, الاعجابات, تعبر عن ما يدور في داخلهم وهي بالتأكيد تمثل اولويات في حياتهم تقودنا الى إطلاق مجموعة من الاحكام والتساؤلات يجب ان نفهمها عند استخدامنا تلك المواقع او عند كتابة نشاط معين.
من ابرز تلك التساؤلات: كم من الأصدقاء والأقارب تثيرهم نشاطاتك المستفزة لمشاعرهم واحاسيسهم ؟ كم من الاصدقاء تفقدهم في الشهر الواحد على وجهة التقريب نتيجة ذلك؟ كم من الاصدقاء تعجبهم نشاطاتك؟ وكم من الاصدقاء عارض او ايد او علق على اخر نشاط لك على هذا الموقع؟ كم من الاصدقاء ارسلوا لك دعوة لقبولهم؟ وسط هذه التساؤلات نجد الكثير من النشاطات والتعليقات التي سوف تجعل من تلك الوسيلة ليس للتواصل الاجتماعي ولكن ستكون وسيلة “للتخارب الاجتماعي”, وهل أصبح “فيسبوك” مكّباً للعقد النفسية والاجتماعية لكثير من الناس عبر ما يقومون به من حوارات ونشاطات وتعليقات تعبر عن ذاتهم، وهل أصبح “فيسبوك” مجس نستشعر من خلاله مواقف الناس وتوجهات وآراءهم ازاء موضوعات متعددة.
او هو كما قال احد الزملاء الباحثين الذي يَعدَّ الفيسبوك احد مظاهر النشوز الاجتماعي والازدواجية في الشخصية وهي تمثل احدى اهم المخارج التي يبحث عنها الموقع بهدف ترسيخها سعيا منه لتحقيق الهدف الاهم وهو بناء المجتمع المدني على حساب المجتمع المحلي.
اي تفكيك الروابط المجتمعية عن طريق هدر الوقت والانفعال المرضي, كما يشير ايضا الى انه يمثل الطريقة الالكترونية للتلصص والانحراف الاجتماعي الذي يعتمد على معايير خاصة تقوم وفق ادبيات وثقافات كل بلد وان عملية الخوض في الخصوصية ما هو الا سلوك شاذ تسعى الدول المتقدمة لغرسهِ سعيا منها لإخراج البلدان والمجتمعات من ثوابتها القيمية لأجل الوصول الى بُعد العولمة والتي تقوم على اساس الفئوية والعزلة فضلا عن الدمج الثقافي الذي يمسخ الخصوصية.
وُيعَدُّ “فيسبوك” واحداً من اهم ادوات العولمة التي تسعى الى بناء مفهوم المجتمع المدني الذي يهدف الى الانتقال من المجتمعات المحلية التي تعتمد منظومة قيمية تحكم سلوكياتها في المجتمع الى مجتمعات مفككة تقوم على اساس الفرد المنتج وهي تحتاج الى اداة تسمح لها بربط هؤلاء الافراد بمنظومة ثقافية عالمية تعمل وفق معطيات التكنولوجيا بموجب اطار مُعَد سلفاً بحيث يكون العقل البشري اداة استعمال للمنتج، يقول يورغن هابرماس في كتابه “الاخلاق والتواصل” “مفهوماً إن العقل لا يكون انهزامياً ضعيفاً بالقدر الذي يجعله يحسب حساب كل ما يوجه له من نقد وقوياً بما يكفي كي تتوصل نظرية المجتمع إلى إنقاذ الظواهر التي تحمل شارة الحداثة، والتي لا يمكن التخلي عنها دون أن ننفي أنفسنا كنتيجة لهذه الحداثة” ولذلك يؤمن هابرماس بأن بديل العقل الأداتي هو النسبية المدمرة لان العقل التواصلي يضمن النقد المستمر لأي حقيقة، فيدعو هابرماس كما يقول ” فرانسوا اوالد” إلى المساواة بين جميع الافراد الذوات بمنحها حرية الاحتجاج والديمقراطية اللازمة للدفاع عن وجهة نظرها، أو الحقيقة الخاصة بها الى أن يتفق اطراف الخلاف او الجدال على حل”.
ان بناء التواصل يقوم على اساس ان المجتمع اكثر تفكك وبعثرة ويحتاج الى مكون منطقي للربط التواصلي لا يقوم على اساس العرق او الاثنية وكانت مواقع التواصل الاجتماعي ومنها “فيسبوك” الذي يشبهُ الى حد ما البالونه التي تتسع لتنفجر اخيراً، أن المجتمعات المحلية تحتفظ بالمنظومة القيمية التي تمثل خصوصية المجتمع وهي تفتخر به لكن المجتمع العالمي الذي يسعى الى الاستحواذ ومسخ الاخر كان يحتاج الى ثغرة للنفاذ والاختراق عبّر المنظومة التكنولوجية التي اصبحت تمثل منظومة قيمية مسطرة على جدارها الالكتروني وقد سمحت هذه المنظومة للمجتمع ان يكذب اكثر وقد أصبح الكذب مبرراً وقابلاً للقبول في استخدام الصورة والكلمات وغير ذلك وهي احدى متطلبات التواصل الحداثوي.
الموضوع الذي نحن بصدده موضوع كبير ومتشعب يحتاج الى دراسات وبحوث وتجارب بهدف إصدار أحكام واستنتاجات من شأنها ان تضع النقاط على الحروف ومن ثمَّ تضافر الجهود المنظمة للمراكز البحثية وكذلك الجامعات والمعاهد عبر وضع توصيات للجهات المختصة بهدف اتخاذ القرارات المناسبة في ذلك فكثير من الدول المتقدمة وضعت أساليب وطرق للتعامل مع هذه الظاهرة.. لاسيما وجود عدد كبير من الشباب الذي يتأثر سريعا بنشاطات كاذبة وملفقة.