الدكتورة ريا قحطان أحمد
عضو مجلس الخبراء/ المسار الرقمي العراقي
لطالما طرحت هذا السؤال على اصدقائي، معارفي، طلبتي، من مختلف المستويات المعرفية المختلفة، بدءا من الذي لم يكمل السادس الابتدائي، لغاية اصحاب الشهادات العليا، الفتيات والفتيان، ربات البيوت والموظفات، الطالبات في الجامعة، والذين لا يعرفون القراءة والكتابة.
كانت معظم الاجابات تشير الى انه شعر بالعزلة عن محيطه، واهله او اصدقائه، او زملائه في العمل، انهم يتحدثون عن تصريحات لقادة سياسيين، او جريمة قتل، او اخبار الفنانين الاجتماعية (زواج او طلاق) وهو لا يكاد يعرف شيئاً، وعندما يستفسر عن مصدر هذه المعلومات والاخبار، يعلم انه الفيسبوك ، لذلك يكون موقفه بين الاصدقاء مثل (الاطرش بالزفة) حسب القول الشعبي المأثور، وحتى بتواصلوا مع اقرانهم، انشأؤا صفحات لهم ليكونوا على اطلاع بما يجري في العالم…
حتى اذا ما فتحوا لهم صفحات شخصية، انهالت عليهم طلبات الصداقة من كل اتجاه، وهم لا يمتلكون ادنى فكرة او خبرة فيها ، ولايعرفون لمن يوافقون ولمن لا يوافقون.
ثم يبدأ بمتابعة صفحات الاصدقاء والاقارب والمعار والجيران، يقرأها احيانا ، تارة اخرى يكتفي بالاطلاع عليها، ثم عرف كيف يكتب تعليقا على صديق، او يضع اعجابا، فيستغرق في قراءة و مشاهدة الصفحات، والمفاجات الكثيرة، فهذا ابن خاله، وذاك زميل دراسته، لتستمر هذه الدهشة والمفاجات ساعات ساعات!!!.
ينتبه فجأة انه قضى معظم يومه في التصفح و التعليق و محاولة استكشاف هذا العالم الجديد.
يحاول عبثا الانشغال بعمله، او بدراسته ، او باعباء المنزل ، لكنه يمني نفسه بانه سبغادرها بعد دقائق فقط… تلك الدقائق التي ستتحول الى ساعات في الليل او النهار، سينتمي لاحقا الى كروبات عدة، كروبات العشيرة والمنطقة السكنية، والمدرسة، وكروبات العمل، كروبات لا حد لها ولا منتهى، وقد يدخل في سجالات عقيمة حول قضية ما.
وسيلتقي باصدقاء قدامى، ومتابعة شخصيات معينة، وسيختار الانضمام الى كروبات ادبية او فنية او رياضية، ولاحقا سينتمي الى دوائر حكومية رسمية كمتابع او معجب.. يستنزف الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الاخرى ساعات طوال كل يوم، سيجد باستمرار كروبات جديدة.
بات الان غارقا في هذا العالم الصاخب الذي ينقل كل شئ واي شئ ، حنى يستفتح احيانا بامراة سليطة اللسان، تفضح جيرانها بدت فيها انها تحاول الانتقام منها، مرورا بجرائم القتل، بالإضافة الى استكشاف طلبات الصداقة التي يستلمها.
حتى يبدو اسيرا لكل هذا العالم الصاخب الذي كان لا يعرف عنه شيئا، ولا يجيد الدخول فيه، والقوانين تحدد له ما يجب وما لا يجب، كاستكشاف جزيرة جديدة.
بدات الفكرة بمحاولة التواصل مع حديث الاصدقاء والمعارف والزملاء، لتنتهي بضياع الساعات والايام، والاستغراق في عالمه، والانغماس في قضايا وامور لا تعنيه كثيرا، ولا تحقق له تطورات في عمله او دراسته او حياته الاجتماعية، او تحقيق الراحة والترفيه بعد العمل والمسؤوليات.
وسيحتاج الى شهور طويلة ليحدد فيها اصدقائه بعناية، والكروبات التي تناسب اهتماماته، والصفحات التي سيتابعها، و قد لا يحدد ذلك الا بعد سنوات.
ففيس بوك بات متاهة كبيرة للكثير من الافراد، يحتاج فيها ان يتعلم ويعرف الكثير عنه قبل الولوج فيه، حتى لا يخسر الكثير من وقته و جهده في اللا شئ .