الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي
نٌشرت في جريدة “الصباح” بالعدد 5342 في 20/2/2022
هل تعي المؤسسات العراقية أهمية العمل بنظم الحوكمة الإلكترونية فيها، وهل تقف قناعات الإدارات العليا للقطاعين العام والخاص على فوائد وعوائدها، وهل وفّرت الأجهزة المعنية بتنظيم البنى التحتية الرقمية في البلاد متطلباتها، وهل تتحدد ضرورات فهمها عند المختصين بتكنولوجيا المعلومات في تلك المؤسسات، دون بقية الإدارات العليا والتنفيذية والرقابية، وهل وظّفت الأجهزة الرقابية آلياتها وأدواتها على وفق ما تستدعيه الحاجة إلى العمل بقواعد الحوكمة، بوصفها آليات تنظيم مسارات الأعمال في المؤسسات والرقابة عليها، وبما يفضي إلى الارتقاء بمستويات الخدمة والانتاج؟
الوقوف على الحوكمة الإلكترونية يتطلب بالضرورة الوقوف على المرحلة التي تقف عليها المؤسسات العراقية بشكل عام، بين ما يعرف بالإدارة الإلكترونية، وبين الحكومة الإلكترونية، وبين الحكومة الذكية، التي بدأت دول المنطقة العمل بموجبها، أما نحن في العراق: فمازالنا في على اعتاب المرحلة الأولى، ممثلة بالإدارة الإلكترونية وبشكل محدود، حين بدأت الكثير من القطاعات بالإعداد لقواعد بيانات وآليات ترابط رقمي، لم يجر تشبيكها بعد بالقطاعات والمؤسسات الأخرى المرتبطة بإتمام تقديم الخدمة أو المنتج للمستهدف بها، بوصفها عملية تكاملية.
وقد يكون أبرز ما يحول دون إكمال مثل هذا الترابط الذي يكون بمنزلة الركن الأساس في انطلاقة الحكومة الإلكترونية المنشودة، إعلان الإدارات العليا للكثير من المؤسسات خشيتها من انتهاك قواعد بياناتها أو خصوصياتها في حال تشبيكها مع مؤسسات خارجة عن صلاحياتها، نتاج عدم وعيها بآليات ومتطلبات مثل هذا الترابط، وما حدود قواعد البيانات التي يتم مشاركتها لإتمام الإعمال..!
يتعلق مفهوم الحوكمة الإلكترونية، بنظم الحوكمة ذاتها، معتمدة على التقانات الإلكترونية، وبذا يمكن القول بانها استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتقديم الخدمات والمنتجات، بتكامل مختلف الأنظمة والخدمات، بين الحكومة والمواطن، أو بين الحكومة والشركات، أو بين الحكومات وبعضها البعض، وكذلك عمليات الأقسام الإدارية والتفاعلات داخل إطار عمل الحكومة بأكمله.
ومن خلال الحوكمة الإلكترونية، يتم تقديم الخدمات الحكومية المتاحة للمواطنين بطريقة يفترض انها تتسم بالفاعلية والشفافية، وتتحدد الفئات الثلاث الرئيسة المستهدفة التي يمكن تمييزها في العمل بحدود تلك الحوكمة، بالحكومة والمواطنون والشركات بعدّها من مجموعات المصالح.
وهناك من يضع أربعة نماذج أساسية للحوكمة الإلكترونية بشكل عام: من الحكومة إلى العملاء “المواطن”، ومن الحكومة إلى الموظفين، ومن الحكومة إلى الحكومة، ومن الحكومة إلى رجال الإعمال.
وهذا يتطلب بالتأكيد التمييز بين مفهومي “الحوكمة الإلكترونية”، وبين “الحكومة الإلكترونية”، حين يتم التعامل مع كلا المصطلحين على أنهما يحملان الدلالة نفسها عند الكثيرين، بالتعبير عن ذلك ببساطة في ان فهم الحكومة الإلكترونية يرتبط باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الإدارات العامة، مع التغيير التنظيمي، وتعلم مهارات جديدة لتحسين أداء الخدمات العامة والعمليات الديمقراطية وتعزيز الدعم للجمهور، فيما تتطلب إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات زيادة كبيرة في التنظيم وقدرات صناعة السياسات، لتشير الحوكمة الإلكترونية إلى تنظيم استخدام التكنولوجيا نفسها، وبما يساعد في الحكم ويلزم إدارته بقواعد وأطر معينة.
وينوّه المختصون بأفضل أشكال الحوكمة الإلكترونية وبما يقلل عدد المستويات غير المرغوب تداخلها عند تقديم الخدمات الحكومية، ويعتمد ذلك على إعداد هياكل أساسية جيدة مع دعم التنسيقات المحلية والقيم الثابتة للحكومات، لتصل إلى مواطنيها أو المستفيدين النهائيين من خدماتها، ويمكن التوصل إلى ميزانية التخطيط والتطوير والنمو من خلال الاستخدام الجيد لنظمها، فهي تقدّم حلول تخفيف الضغط الإداري على المؤسسات من خلال أتمتة مهام الموظفين وتسريع ادائهم لخدمة المواطنين.
ويمكن للحوكمة الالكترونية ان تعمل على الاستخدام الأمثل لموارد المؤسسة، وهي تساعد في تحقيق النمو وتشجيع الانتاج، وتسهّل من اعمال التنظيم والإشراف والرقابة، عن طريق تحديد أطر الرقابة الداخلية وتطبيق الشفافية والعمل بمبادئ الافصاح.
وفي القطاع الخاص تقوم الحوكمة الالكترونية على تنظيم وتقسيم المسؤوليات بين الاطراف الرئيسة في الشركات، من المساهمين والإدارات التنفيذية ومجالس الإدارات، حين يقوم المساهمون بتوكيل مجلس الادارة لمراقبة اداء الادارة التنفيذية، الذي يقوم المجلس بتعيينها، لإدارة شؤون الشركة نيابة عنهم، وبذا فان مبدأ الحوكمة الالكترونية يهدف الى تحقيق عدد من الأهداف، المتمثلة بالشفافية والمسائلة والمسؤولية والمساواة.
فيما ترتبط نظم الحوكمة في القطاع العام بالإدارات العليا في المؤسسات الحكومية، ممثلة بأعلى قمة الهرم فيها، مسنودة بالقطاعات القانونية والرقابية والإدارية مجتمعة فيها، مع ضرورة ان تكون هناك جهات حكومية فاعلة تختص بالرقابة على تنفيذ سياسات الدولة في تلك المؤسسات، وان تكون لديها مسؤوليات وصلاحيات واضحة، تحددها التشريعات والقوانين النافذة، للعمل بمعايير حماية النزاهة ومكافحة الفساد وتعزيز قيم السلوك الاخلاقي والمهني.
ويتمثل جوهر الحوكمة الإلكترونية في الوصول إلى المستفيدين والتأكد من أن الخدمات المخصصة للوصول إلى الفرد المطلوب قد تم الوفاء بها.. لذا، ينبغي أن يصار إلى بناء نظام استجابة تلقائي لدعم الحوكمة الإلكترونية، تدرك الحكومة من خلاله مدى فعالية إدارتها، وهنا يتم تطبيق الحوكمة الإلكترونية من خلال المحكومين بوساطة من يحكمونهم.
وبذا، ترتبط فرص نجاح الحوكمة الالكترونية في العراق بإصلاح التشريعات والقوانين على وفق متطلبات العمل بها، وبما يعمل على تأمين فرص نجاحها، كما يسلتزم ذلك التسويق لثقافة مجتمعية وايجاد قناعة بالعمل بها، ناهيك عن توافر متطلبات وعناصر البنى التحتية الرقمية، وتنمية مهارات المكلفين بالمهام الخاضعة لمعايير تلك الحوكمة على مناهج الإيفاء بها.