الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي
نُشرت في جريدة “الصباح” بالعدد 5337 في 14/2/2022
في الوقت الذي نؤكد فيه على ضرورات الأخذ بالرؤى الهادفة إلى تنظيم المسار الرقمي العراقي، بمواكبة مستجدات العالم، على وفق خصوصية البيئة العراقية وقيمها وأهدافها في التنمية على مختلف الأصعدة والميادين، فان إحلال مثل هذا التنظيم يوجب ان تتخلله ضمانات حقوق مستخدمينا على الإنترنت، وبما يعمل على بلوغ استخدام رقمي رشيد يؤمّن لنا الحقوق، مثلما يستدعي منا الواجب!
العشوائية الرقمية العراقية، التي تحدّثنا عنها منذ سنوات، اليوم هي على مشارف التنظيم، حين صار الوعي العراقي على دراية كاملة بمخاطرها، وأخذت لوائح تنظيم المحتويات الرقمية، وكل ما يرتبط بالاستخدام الرقمي، تصطف على حافة الإقرار، نتاج جهد دؤوب كان بمستوى المسؤولية، فيما ننتظر ان يضم الجهد التشريعي مسعاه، بان تجد مسودات التشريع الرقمي طريقها إلى النفاذ.. ولكن قد يبيت بلوغ مثل هذا الطموح منقوصاً، من دون أبواب تنوّه صراحة، بحقوق المستخدمين لدينا في العراق، بان أي تنظيم لن يمس هذه الحقوق، طالما بقيت مشروعة!
على مستوى العالم، فان حقوق المستخدمين يجري التأكيد عليها عبر لوائح ونصوص قانونية صريحة ملزمة، ومن حيث المبدأ: يشدد الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية على “ان حق التواصل لا يمكن تجاهله، وان الإنترنت هو أقوى المصادر المحتملة التي تم انشاؤها على الإطلاق، من أجل صنع التنوير… ويتعين على الحكومات التعامل معه كبنية تحتية أساسية، مثل الطرق والمياه”!
وقد اعتمد الاتحاد الأوروبي منذ سنوات بنداً خاصاً يتعلق بحرية التعامل مع شبكة الإنترنت، ينص على ان التدابير التي قد تتخذ من قبل الدول الاعضاء، والتي قد تؤثر على امكانية وصول المواطنين أو استخدامهم للشبكة “يجب أن تحترم الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين”، وينص البند على أن من حق مواطني الاتحاد الأوروبي التمتع بـإجراء عادل ونزيه، قبل تبني أي تدابير من شأنه تقييد وصولهم للانترنت.
وكشف استطلاع أجرته Globe Scan لحساب BBC””، النقاب عن انقسامات بشأن مسألة الإشراف الحكومي على بعض جوانب الإنترنت، فقد أكد مستخدموه ممن شملهم الاستطلاع في كوريا الجنوبية على انه لا ينبغي للحكومات ان تتدخل في تنظيم الانترنت، الا ان أغلبية من المستخدمين في الصين والعديد من البلدان الأوروبية لا يتفقون مع هذا الرأي.
وبيّن بان اربعة من كل خمسة اشخاص يعتقدون ان الوصول إلى الإنترنت “حق أساس” من حقوق الإنسان، وكشف الاستطلاع الذي شمل 27 الف شخص في 26 دولة في انحاء العالم، ان هناك تأييداً قوياً لحق الوصول إلى الانترنت، وتؤيد بلدان مثل المكسيك والبرازيل وتركيا بقوة فكرة ان الوصول الى الانترنت باعتبارها حق من الحقوق، حين ذكر أكثر من 90٪ من الذين شملهم الاستطلاع في تركيا أن الوصول الى شبكة الانترنت هو حق أساس، أي أكثر من نظرائهم في أي بلد أوروبي آخر.
وقال غالبية الاشخاص الذين شملهم الاستطلاع انهم يعتقدون أن شبكة الإنترنت لها الأثر الايجابي، إذ اشار حوالي 80% منهم الى انها جلبت لهم المزيد من الحرية، إلا ان العديد من المستخدمين أعربوا أيضاً عن بعض المخاوف، جاء في مقدمتها تلك المتعلقة بالاحتيال، وسهولة الوصول إلى المحتوى العنيف على الإنترنت، ناهيك عن المخاوف المتعلقة بانتهاك الخصوصية.
عربياً.. تشير اللوائح المعمول بموجبها في مصر، على سبيل المثال، إلى ان لكل مواطن الحق في الحصول على خدمات الاتصالات أينما كان، وكذلك في الحصول على خدمة جيدة، طبقاً لضوابط الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، والمعايير العالمية، واختيار نوع الخدمة المقدمة واختيار مقدمها، وتوفير بيئة صحية للمستخدمين وفقاً للضوابط والمعايير الصحية العالمية، والحصول بشفافية على بيانات الخدمة من شروط وأسعار ومستويات أداء الخدمة وعدم تغييرها إلا بعد اخطار المستخدم.
إلى جانب الحماية من الممارسات الضارة التي قد يقع فيها مقدم الخدمة مثل نشر بيانات مضللة، وضرورة اعلان مقدمي الخدمة عن ارقام الطوارئ والشكاوى، والتعويض في حالة حدوث أعطال وعدم الاستفادة من الخدمة “انقطاع أو سوء الخدمة”، والسرية، وان يكون لذوي الاحتياجات الخاصة الحق في الحصول على خدمات مناسبة.
وفي السعودية، تشير المادة الثامنة والعشرين من لائحة تنظيمات حقوق مستخدمي خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات وشروط تقديم الخدمات، الصادرة في 2020، الى وجوب ضمان مقدم الخدمة توفير خدمات تتناسب مع احتياجات المستخدمين من ذوي الإعاقة، وضمان وصوله إلى هذه الخدمات بشكل متساوٍ مع المستخدمين الآخرين، ودون مقابل مالي، والوصول الفعلي إلى مرافق مقدم الخدمة المتاحة للعموم، وتوفير وسيلة تواصل الكترونية بلغة الإشارة للصم وضعاف السمع “مخاطبة الصم”، والوصول إلى خدمات مخاطبة الصم، لإجراء أو استقبال المكالمات الصوتية جزئياً أو كلياً، بصيغة النص المكتوب.
وقبل ان تنتهي جهود تنظيم الاستخدام الرقمي إلى العراق، باقرار اللوائح والتعليمات أو التشريعات المختصة بتوفير بيئة تواصلية رقمية آمنة، ينبغي التأكيد على بنود ضمانات الحقوق فيها، وان يكون التقيد بتوافر تلك الحقوق شرطاً لنفاذ الموجبات، مع التأكيد على ان يكون نقاش مثل تلك الحقوق مع النخب المختصة بالمجال الرقمي العراقي، وصولاً إلى الاستخدام الرقمي الوظيفي الذي يسهم بفعالية في بلوغ أهداف التنمية!