الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي
من المسؤول عن تنمية وتسويق ثقافة ترشيد الاستهلاك في العراق، تحت ضغط الجائحة واجراءات التباعد التي عززت من اسهامات الأوعية الرقمية في التواصل بين افراد المجتمع، على وفق ما يطلق عليه بالتسوق “الإلكتروني”، أو “الرقمي” أو حتى المرتبة التي وصل إليها والمعروفة بمسمى “الريبورتي”، مع صعوبات اقتصادية ومالية نتجت من ضياع كبير لفرص العمل المحلية؟
إن كانت الدولة، بمعنى “مؤسساتها التنفيذية والتشريعية”، فعلينا ان نقف على مستوى ثقة المستهلكين المحليين بدوافع تسويق تلك الثقافة والترويج لها بشكل واقعي، وان كانت منافعها ستكون لتلك المؤسسات، أم للمستهلكين -من وجهة نظرهم- وكيف لنا ان نعمل على إعادة تشكيل صورة تلك المؤسسات التي تطالب بالترشيد، لدى الجمهور؟
وان كانت: “منظمات المجتمع المدني والمراكز العلمية والنقابات والجمعيات المهنية وجماعات وفعاليات الضغط المختلفة”، ينبغي عندها الوقوف على حقيقة امكانياتها بمخاطبة الجمهور المستهلك ،الكبير والمتعدد في مستوياته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، على وفق عنصري الخطاب الإقناعي: بالمشاركة والانتفاع، وهل ستكون قادرة على ايفاء متطلبات تسويق مثل هذه الثقافة لتلك الشريحة الكبيرة، وفي هذا التوقيت بالذات!
“رقمنّة” المجتمعات!
الظاهرة الرقمية عادت بأثرها في الممارسات الحياتية جميعها، وبأدوات إحداث تنميتها في المجتمعات، حين صارت الأوعية الإلكترونية وسيلة التواصل والتأثير الأكثر فاعلية وأهمية، ومنها ما يرتبط بتنمية ثقافة ترشيد الاستهلاك في زمن التسوق الإلكتروني، وتحت ضغط الظروف التي خلّفتها الجائحة.
ومن هنا.. فاننا نرى بان دور الأوعية الإلكترونية في مجال تنمية ثقافات الممارسات الاقتصادية والاستهلاكية يسير في العراق باتجاهين متعاكسين: يتمحور الأول في ان تلك الأوعية هي من أشاعت لأغلب الممارسات الاستهلاكية الخاطئة، لدوافع ربحية، أو اجرائية غير مقصودة، تتعلق بالعشوائية الرقمية، وعدم تنمية ثقافة الاستخدام الرقمي نفسها في العراق، ضمن محوري صنّاع المحتوى الرقمي ومستخدميه.
آما الآخر فيمضي بمقولة: ان تنمية الثقافات الصحية بين جمهور المستخدمين على مستوى العالم، تعتمد بالدرجة الأساس على الأوعية الإلكترونية اليوم، لما احتكمت عليه من ميزات المحاكاة والتفاعل والتأثير ناهيك عن شيوع استخداماتها، وان مثل هذه الوجهة، باتت من المسلمات التي لا تقبل النقض أو التأويل!
ان تقصي دور الاوعية الرقمية في مواجهة أزمة ثقافة ترشيد الاستهلاك تحت ضغط “كورونا”، ينبغي ان تقف على تلك الحقائق، حين تبيت الأوعية الرقمية بمنزلة “الخصم والحكم” في استرايجيات الترشيد، فكيف لنا ان ننتظر من صناع محتوياتها الانصراف إلى التوعية بالترشيد، وهم ينشغلون اساساً بالتربح من عوائد التسويق الإلكتروني؟.
ويصاحب ذلك، مجموعة من المؤثرات المرتبطة بغياب ثقافة التخطيط الاستراتيجي المؤسسي في العراق بشكل عام، ومنها بثقافة ترشيد الاستهلاك، التي يبدأ معها العد وقد لا ينتهي، والتي اقتصرت مضامين المطالبة بها على الجوانب الخدمية الرئيسة فقط، لاسيما في قطاعي الماء والكهرباء، لا بوصفها ثقافة عامة، في وقت يتطلع فيه المستهلك إلى الجهة التي تطالبه بالترشيد على انها “مقصّرة في ادائها بالأساس”، الأمر الذي أحدث أثره السلبي بعدم ثقة المستهلك نفسه، بمصداقية الجهة التي تطالبه بالترشيد، وهنا تحل المصيبة.
ثقافة الترشيد
تاتي أهمية تسويق ثقافة الترشيد من مساعي الحفاظ على الموارد المادية والطبيعية، وبذا فهي ترمي من وجهة نظر المختصين، إلى: تعديل الانماط والعادات الاستهلاكية، بحيث يتسم السلوك الاستهلاكي بالتعقل والإتزان، حين يكون استهلاك الفرد بالكميات والنوعيات التي تفي باحتياجاته، من دون زيادة او نقصان.
لقد زادت السلوكيات الاستهلاكية الخاطئة بشكل كبير، ومنها ما يعرف “بتخمة الاستهلاك”، وعادات الصرف والإنفاق غير الموجهة، وبروز العقلية الاستهلاكية غير المنظمة، وإغراق السوق بصنوف الكماليات والإعلان عنها بطرائق مثيرة، مقابل انخفاض الوعي الاستهلاكي في المجتمع، وعدم توجيه افراده بشكل مباشر، وبذا: فان تسويق الوعي بثقافة ترشيد الاستهلاك، يستوجب فعاليات ميدانية تدعم استراتيجيات الوعي نفسها، وعدم ترك المسؤولية على المستهلك وحده في تبني السلوكيات الاستهلاكية الخاطئة.
ان التقنية كانت وستظل منتجاً اجتماعياً، وقد جاءت المعلومات والاتصالات بمنزلة التأكيد الحاسم لهذا الرأي، وبقدر ما يحتاج تهذيب الاستخدامات الرقمية الى توفير الوسائل الفنية، فهو يتطلب نوعاً من الابتكار الاجتماعي، أو ابتكار ما بعد التقنية، ان جاز القول، إذ توفر المعلومات لا يعني بالضرورة توفر المعرفة، والمشكلة كانت الماضي تكمن في قلة المعلومات، ولان باتت في الافراط المعلوماتي، وهذا ما يتطلب العناية بصناعة المحتويات الرقمية في المجتمع المحلي، في خضم المعادلة الحرجة بين دوافع مالكي تلك الأوعية الربحية، وبين ما ننتظره منهم من مهمات اخلاقية في التوعية والتوجيه.
استراتيجية المواجهة
تظهر الاحصائيات المحلية بانشغال مستخدمي الاوعية الرقمية في العراق تصاعداً واهتماماً، ينبه بإمكانية تلك الأوعية في التأثير والتوعية، بالاتجاهين السلبي والإيجابي، الأمر الذي ينوه بفرصها الكبيرة في توجيه السلوكيات الفردية والمجتمعية بالاتجاه المرغوب فيه، فيما لو تم ضبط منظومات صناعة المحتويات الرقمية، ومنه ما يرتبط بثقافة ترشيد الاستهلاك.
ومن هنا، يعود التنبيه بدور الاستراتيجية، لتنظيم الممارسات العشوائية في المجال الرقمي بالعراق، من قبل الجهات الحكومية والأكاديمية والمجتمعية، بموجب قواعد واسس مهنية وأخلاقية، وباعتماد وسائط التواصل الاجتماعي بالدرجة الأساس، والشكل الرقمي الفديوي، الذي يتطلب مهارات إعلامية وفنية ورقمية، وأشكال إعلامية متعددة: من أخبار وتقاير واستطلاعات والفيديوغرافيك، إضافة إلى المشاهد الدرامية القصيرة، على ان يجري تأهيل صنّاع المحتوى الرقمي العراقي على ترميز استراتيجيات الوعي، التي ينبغي ان يرافقها مبادرات اقناعة على أرض الواقع.