الدكتور صفد الشمري
رئيس مجلس إدارة المسار الرقمي العراقي
حتى وقت قريب، كانت سطوة النظم الحاكمة هي من تحدد طريقة التعاطي مع أية “فكرة مُستحدثة” داخل مجتمعاتها، حين تبدأ بتسويق الوعي الجمعي باتجاه تبني ممارساتها أو نقضها في الجملة والتفصيل طبقاً لموقفها هي من المنابع التي خرجت من رحمها الفكرة، ومدى توافقها معها في المصالح، بصرف النظر عن حاجة المجتمعات المحلية لها على أرض الواقع، حتى قوّضَت استخدامات الانترنت المتعددة من صلاحية احتكار النظم لمنافذ التفاعل مع الآخر: فهل يستعين العراقيون بمثل تلك القدرات؟
ما هي الأفكار المُستحدثة.. هي أية فكرة أو سلوك أو ممارسة أو شيء جديد يختلف كيفياً ونوعياً عن الأفكار والسلوكيات والأشياء السائدة أو يعمل على تغيرها أو تطويرها، بمعنى انها الشيء الجديد بالنسبة للفرد، ويكون تبنيها أحد مظاهر أسلوب الحياة المتغير، ويتطلب هذا “التبني” تغييراً سلوكياً أكثر منه تغييراً إدراكياً، ويمكن ان يكون اختباراً حقيقياً لقياس قابلية الفرد نفسه لتقبل أو عدم تقبل أسلوب جديد لحياته، على وفق متطلبات الفكرة المستحدثة المتسمة بالتعقيد والتقدم وتشوب ممارساتها ملامح التغير السريع.
كما يمكن ان تكون الفكرة المُستحدثة استخداماً أو نظاماً أو نهجاً أو حتى نظرية اثبتت فاعليتها بالنجاح في المجتمعات التي ولدت فيها تبعاً لاحتياجاتها وظروفها، ويراد نسخها إلى مجتمع آخر، بشرط عدم تطبيقها بالكامل، من دون مراعاة خصوصية المجتمع المراد نشر الفكرة فيه، وتبينها من قبل أفراده، ويستدعي ذلك مجموعة من الآليات والعناطر والمتطلبات، بهدف احداث مقاربات منطقية مع خصوصية البيئة الجديدة الحاضنة للفكرة..!
يحدد المختصون أربعة عناصر أساسية لانتشار وتبني الأفكار الجديدة، وهي التجديد أو الابتكار أو التكنولوجيا الجديدة، أي الفكرة الُمستحدثة ذاتها، إلى جانب قنوات الاتصال التي ينبغي ان تتوافق مع متطلبات طرح الفكرة ومتحولات العصر، ووهناك ما يرتبط بالتركيب الاجتماعي للبيئة أو النسق الاجتماعي، فضلاً عن الفترة الزمنية الضرورية للانتقال، أو ما يطلق عليه بعنصر الزمن، الذي يحدد توقيتات طرح الفكرة.
وتتمثل خصائص الفكرة المُستحدثة بالميزة أو الفائدة النسبية، أي سأي درجة تفوقها على غيرها من الأفكار السابقة، وانسجامها مع القيم السائدة أو الملائمة، باتفاقها مع القيم السائدة لدى المستهدفين بها لها وتجاربهم السابقة، ويجب ان تكون ملائمة أو متفقة مع القيم الموجودة في المجتمع، فالفكرة التي لا تتوافق مع القيم والعادات السائدة في النظام الاجتماعي ومع الخبرات السابقة والاحتياجات الحالية للمستقبلين المستهدفين بها، لن يتم تبنيها بمعدل سرعة تبني الفكرة المستحدثة الملائمة نفسها.
كما تنبغي ان تمتاز الفكرة المُستحدثة بالقابلية التجريبية، أي مدى قدرتها للخضوع إلى التجربة في مجال محدود وعلى نطاق ضيق، ويمكن ان تجرب الأفكار الجديدة على شكل مراحل او اجزاء إذ ان الأفكار التي يمكن تجربتها يكون تبنيها أسرع بصفة عامة، من دونها التي لا يمكن تجربتها، حيث تقل مخاطرها من وجهة نظر الفرد الذي يقيمها.
إن أول ما يجمع عليه الاجتماع والإعلام وحتى السياسة والاقتصاد، هو الإقرار بان الاتصال في الأساس تكوين المجتمع الذي قام على قاعدة من العلاقة الجدلية التي نشأت بين الإنسان وبين محيطه المادي، ومن ثمّ الروحي: أي على قاعدة علاقته الدائمة مع الآخر، مع الأخذ بالاعتبار إن “عملية الاتصال لا يمكن أن تتحقق أو تحدث بذاتها، ولكنها تحدث كافتراض أساس للعملية الاجتماعية، لذا فإن النظرية الإعلامية تنتجها الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية للمجتمعات، وهو ما ينوّه بفاعلية استخدامات الانترنت في نشر الأفكار المُستحدثة.
ويضاعف تطور وسائل الإعلام التقليدية وظهور وسائل جديدة في البيئة الاتصالية المعاصرة على شاكلة الأوعية الرقمية من قدر تأثير بعضها في البعض الآخر، وزاد من حجم تأثيراتها في الرأي العام والنظم الحاكمة والمجتمع بشكل عام.. وفي ظل هذا التنوع الاتصالي، صار لكل وسيلة مقدرة على الإقناع، بالمضامين الإعلامية والرؤى والأفكار الجديدة التي تتبناها.
ويمكن التعاطي بشكل حيوي مع دور الانترنت في التعاطي مع أية فكرة مُستحدثة بالمجتمع العراقي، الامر الذي يؤكد ضرورات تسويق ثقافة التوعية المطلوبة بها واظهار عوائدها الايجابية ومتطلبات الحاجة إليها، لخلق مجال داعم له على المستويات المجتمعية كلها.
وتزيد أهمية ذلك مع تلك الأفكار التي قد يجد فيها المتلقي إنها فكرة صعبة نسبياً على مستوى فهمه أو استيعابه، الأمر الذي قد يوّلد صعوبة الإفادة منها، إذ تتمثل خصائص الفكرة المُستحدثة بالميزة أو الفائدة النسبية، أي سأي درجة تفوق الفكرة المُستحدثة على غيرها من الأفكار السابقة، ويمكن أن يوفر الانترنت إمكانية الملاحظة التي تكون بموجبها نتائج الفكرة تمكين مرئية للجمهور، ومن هنا يمكن للقائمين على معالجة فكرة مستحدثة عبر الأوعية الرقمية المتعددة أن يتعاطوا مع عدد من المهام في عملية نشر مثل تلك الأفكار تتجسد في مجموعة من المهام على شكل خطوات.
تتمثل الأولى بالحث، وتظهر هذه المهمة في البرامج المصممة لإثارة الاهتمام والتنبيه، والحث بصفة عامة على تبني الفكرة المُستحدثة، وتتجسد الثانية بالتقويم التقويم تتمثل في البرامج المصممة لتقديم المعلومات لهؤلاء المهتمين بموضوع معين، ويبحثون عن مواد إضافية وصفية أو تحليلية تساعدهم على تقييم ما يبحثون فيه، أما الثالثة فهي بالاخبار، اي الرسائل القصيرة التي يقصد بها تقديم الفقرات الإخبارية البسيطة، وصولاً إلى خطوة التعزيز، للاهتمام بموضوع ما أو للحفاظ على عادة معينة، إذ إن التعزيز والتأكيد المستمر يبيت أمراً مطلوباً ضمن تلك الحدود.