أ.م.د. صفد الشمري
رئيس مجلس ادارة
المسار الرقمي العراقي
غيّرت استخدامات الانترنت من المفاهيم التقليدية السائدة، حين صار يمكن لممارسات المستخدمين الفردية عبر المجال الافتراضي ان تحل بديلة عن الجهود الضخمة التي كانت تبذلها المؤسسات على أرض الواقع، وربما باتت تحدث أثراً أكثر فاعلية من أي وقت سبق، ومنها ما يرتبط بالعديد من المنتجات التي كانت تقدم على شكل مصنعات او خدمات او مهارات او حتى افكار، والتي يتطلب ديمومة تواصلها مع الجمهور وجود “علامة نجارية” لها.
ومع جملة تلك التحوّلات، وفي ظل ما يحدثه التسويق الإلكتروني من نجاحات مكنت الأفراد من دخول مجال المنافسة مع الأفراد، يكون منطقياً ان يستفيد الأفراد من العناصر التي كانت تدعم صورة المنتج وجودته، وفي مقدمتها “العلامة التجارية” يكون التساؤل المطروح: هل يستفيد العراقيون من هذا المركب الفاعل في اسناد منتجاتهم على اختلاف انواعها، وهل يعملون على بناء علاماتهم التجارية الشخصية على الانترنت؟
ينظر الى “العلامة التجارية” بشكل عام على انها عبارة “عن مصطلح أو رمز أو إشارة، أو المزيج من تلك العناصر مجتمعة، بهدف تعريف المستخدم او المستهلك بمنتج ما، وتمييزه له عن غيره، أي انها بمنزلة هوية اثبات المنتج، وبالتالي تقدير مستوى جودته بحكم الفكرة السائدة عن تلك العلامة، أو ما يرتبط منها من ظروف الإنتاج، أو حتى البيئة التي انتجت فيها، وغير ذلك”، وبذا.. يمكن عدّها من بين اهم الاصول التي تملكها الجهة صاحبة تلك العلامة، التي تشكل جحر اساس تشكيل مجالات الثقة بين المنتج وبين مستهلكيه..!
وتقّسم “العلامة التجارية” الى تلك التي يستخدمها اصحابها للتمييز التجاري بين المنتجات، وصناعية وكذلك علامة الخدمة، المرتبطة بخدمة معينة تقدم الى الجمهور، ناهيك عن العلامة التجارية للأشخاص والمهارات الفردية، التي هيّات لها التحولات التي اوجدتها الاستخدامات الرقمية المتعددة، حين صار التسويق الشخصي الالكتروني أحد مستويات التسويق بشكل عام، وربما أبرزها، الامر الذي استدعى توافر تلك المهارات على “علامة تجارية” للشخص صاحب المهارة أو المنتج أو الخدمة، التي يمكن ان يستطيع عن طريقها تشكيل صورة عن جودتها لدى جموع المستخدمين في المجال الافتراضي.
وتعمل “العلامة التجارية” من حيث المبدأ على توفير الحماية للمنتج المقدم نفسه، ان كان مادياً أم معنوياً، كما انها تعزز المبادرة لدى المنتجين الى ضرورة تحسين جودة منتجاتهم بشكل مستمر، والعمل بموجب مواصفات محددة لا يتم التراجع عنها مهما كانت المبررات والدوافع، في محاولة منهم للحفاظ على صورة تلك “العلامة” لدى الجمهور، ويمكن ان توفر مجالاً لمراقبة جودة منتجاتها في السوق، لاسيما انها يمكن ان تشكل بذاتها احدى ابرز دوافع انتقاء المنتج دون العشرات من غيره، بفعل ما يمكن ان توفره من اختزال معرفي مسبق عن جودته، بعد التحقق من عائديته الى “العلامة التجارية” التي يثق بها المستهلك.
وفي المجال الافتراضي، يكون ضرورياً اعتماد القواعد التي تعمل تشكيل العلامة التجارية الشخصية للافراد، وعلى أرض الواقع، وحين تستعد لقصد الفوز بفرصة عمل ما، في شركة أو مؤسسة أو متجر، فانك تشغل بعض الوقت في تحسين مظهرك العام، وتعمل على توفير قاعدة بيانات عامة عنك، وعن تخصصك وخبراتك، وحول ما يميزك عن غيرك، وبكل ما تتوقع ان يتم سؤالك عنه، وقد تجري مجموعة من التمرينات السريعة في لغة الجسد، بمسعى اقناع الجهة التي تحاول ان تعمل فيها، بعيد خلق الانطباع الايجابي الاولي عن نفسك..!
الأمر قد لا يختلف معك في عوالم الإنترنت، وحينما تكون تلك المقابلة عبر احدى وسائطه أو قنواته، ويكون من الجيد ان توفر “علامتك التجارية” المميزة، والتي ستصنعها أنت عن نفسك، تدعم حصولك على فرصة العمل التي يتقدم إليها العشرات من الآخرين، بينما يكون تفوقك عنهم بعدد من الخصائص التي تلخصها تلك “العلامة الفارقة”..!
لقد باتت الشركات والمؤسسات التي تعلن عن فرص عمل تعرف جيداَ ان “العلامة التجارية الشخصية” يمكن ان تكون ابرز مقومات دعم طلبات بعض المتقدمين بين المئات من غيرهم، وتلك العلامة يمكن ان تصنعها بنفسك عن نفسك، والتي ستمثل سيرتك الذاتية الموثقة والموثوقة لديهم، وتقدم ملخصاَ جيداَ عن مهاراتك وخبراتك في المجال الذي تتخصص فيه.
نعم.. لا يصيب من لا يعمل على التمييز ما بين الشعار Logo وبين العلامة التجاريةBrand في عوالم التسويق، فهناك فروقات كثيرة بين المعنيين، فـ”الشعار” مجرد تعبير بصري برسم أو كلمات عن شركة أو مؤسسة أو جهة معينة، أما “العلامة التجارية” فهي مزيج متكامل من عدة عناصر تتضمن الشعار فيها، وهو ما نحاول التركيز عليه اليوم.
وحين تفكر في الصورة التي يريد ان يعرفها الاخرون عنك، فانت تفكر في الصورة الذهنية التي ربما تتشكل من: اسمك، وشكلك، وخبراتك، ومهاراتك، وسجل منجزاتك، وطبيعة قيمك، وغير ذلك.. وهو ما يمكن ان يوفر ملخصا بـ”علامتك التجارية” التي تميزك عن عدد هائل من العلامات التجارية الأخرى.
هل يمكنك ضبط علامتك التجارية عبر الانترنت لتكون معروفاً بتخصص أو مهارة مميزة عن العشرات من اقرانك؟
نعم.. من الممكن ذلك، بشرط اتباع مجموعة من الخطوات، لاسيما بعد ان مكنت وسائط التواصل الاجتماعي الافراد من ذلك، بعد ان حولت الناس إلى كيانات رقمية، واصبح لكل منا كيانه الرقمي المختص الذي سيعكس صورته الحقيقية أمام الناس.
فالشخصية الرقمية، بكل ما يتعلق بها باتت تعطي انطباعا أوليا ربما يدوم أيضاً، ومثلما أن هناك محترفين متخصصين في إدارة “العلامة التجارية” للشركات والأفراد على أرض الواقع، فان هناك من يمكنهم مساعدتك في تحسين “علامتك التجارية” الرقمية إذا لم تكن لديك الخبرة الكافية، وهو ما نحاول ان نقدمه لك اليوم.
واذا كنت تريد ان تعتمد على وسائط التواصل الاجتماعي لتسويق نفسك، فان هناك جملة الأمور التي يجب أن توليها اهتمامك، ويكون في مقدمتها صورة غلاف الحساب، والصورة الشخصية، والحالة والوصف الذي تقدم بيها حسابك للآخرين، وإذا كنت تريد إرسال سيرة ذاتية يمكنك تحسينها إما بتصميمها بطريقة احترافية أو تحسين صياغتها باتباع مجموعة من الارشادات.
قبل كل شيء ضع رؤيتك “للعلامة التجارية” الشخصية التي تريدها: كيف ترى نفسك على المدى البعيد، ولو كنت تحترف الكتابة مثلاً، هل ترى نفسك مستمراً في الكتابة بحسابك الشخصي، أم في تأليف الكتب، أم الكتابة للصحف والمجلات، أم بمحاولة العمل في المواقع الالكترونية المعروفة؟
واعمل على تكوين أصولك.. والأصول هي الأشياء التي يعرفك الناس بها، فالمدون لديه خزين المقالات التي كتبها، والمصمم لديه أعماله السابقة المنشورة، او أية مشاريع برمجتها تفخر بها، ويمكنك نشرها في حسابك ليطلع عليها الاخرون، وكن متعاوناً عندما يطلب منك أحدهم إجراء مقابلة معك لا تتردد بالموافقة، وعندما يريد أحدهم أن يقتبس من موقعك أو يجري مشروعاً مشتركاً معك، فالتعاون سيوصلك إلى جمهور جديد، واعثر على مرشد، أي شخص بخبرة أكبر منك في مجالك ومر بنفس المطبات التي ستمر بها، فقد يعطيك خبرته والتي عليك موائمتها مع تجربتك وليس نسخها حرفياً، وراقب بعدها “علامتك التجارية الشخصية”.
وهناك عدة أدوات للقيام بهذا الأمر وأبسطها البحث عن اسمك في محركات البحث وأنظر ما هي النتائج التي تظهر لك، وهل ان النتائج يغلب عليها الطابع الإيجابي أم السلبي.. هل يمكنك التأثير فيها؟ وحاول ان تتخصص في مهارة معينة وتطور امكانياتك فيها كي يعرفها الناس فيك وتمثل ابرز عناصر “علامتك التجارية” الشخصية.
مجموعة القواعد الاساسية التي تساعد في تشكيل “العلامة التجارية” الشخصية للأفراد صار ضرورباً الأخذ بها اليوم من قبل اصحاب المنتجات المادية والمعنوية في العراق، في مسعى تطوير تلك “العلامة” التي ستقدمه إلى الجمهور، الأمر الذي يتطلب العناية الفائقة بها، خروجاً على مناهج “العشوائية الرقمية” في البلاد..!