نرمين المُفتي
ورقة مشاركة في حوارات “ديجتال بغداد” عن المحور المجتمعي
مما لاشك به، ان التكنولوجيا الرقمية “الرقمنة”، غيّرت الكثير في حياتنا اليومية، وكانت لظروف الجائحة التأثير الكبير لتسريع هذا التغيير.. ففي ظروف الحجر الذي امتد لأشهر في ٢٠٢٠، أصبحت التهاني في الافراح والتعازي في الاحزان تتم عبر التواصل الاجتماعي، وقبل ان استرسل، لابد من الإشارة إلى ان أكثر من ٢٠ مليون عراقي يملكون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.
لا أملك الرقم بالتحديد، لكنه كان في منتصف ٢٠١٧ قرابة “١٤ مليون ونصف المليون”، اي ان العراقيين يتقبلون “الرقمنة” بسهولة.. اذن، الجائحة أرغمتنا الى “التحوّل الرقمي”، وفي الوقت نفسه كشفت ان الحوكمة التي اسمع عنها منذ اكثر من ١٥ سنة لم ينفذ منها إلا القليل.. فحين التحوّل الى الدراسة عن بعد، مثلاً، لم تكن وزارة التربية مهيّئة تماماً وربما تفاجأت، اذ ان نسبة لا بأس بها من التلاميذ والطلاب كانوا يفتقرون إلى الأجهزة اللازمة للتعليم عن بعد، مثل أجهزة الهاتف وباقي الأجهزة اللوحية والذكية.
بينما كانت العيد من الدول، ومن بينها تلك الفقيرة، قد بدأت منذ سنوات بتوزيع الاجهزة اللوحية على الطلاب، بدءاً من تلاميذ المرحلة الابتدائية وتحولت الدراسة الى “اونلاين”، حتى وان كانت الدراسة حضورية.. كذلك شهدت ساعات الدراسة اختلافاً عن ساعات الدوام الحضورية، واصبحت استناداً الى الوقت الذي يقرره المعلم أو المدرس، بدون الأخذ بنظر الاعتبار وقت التلميذ او الطالب وظروف اهله!
على أية حال لست بصدد تقييم الاداء الحكومي، سواءً التربوي أو غيره رقمياً، ولست بصدد الحديث عن الحوكمة التي قطع بها دول جوار العراق العربية والاقليمية شوطا كبيرأً، انما سأشير الى المتطلبات المجتمعية للتحوّل الرقمي:
قد يكون من أهم المتطلبات في هذا المحور، هو تثقيف افراد المجتمع حول استخدامات “الرقمنة”، اقصد تثقيفهم بشأن الاستخدام السوي، وللمثال وليس الحصر أشير الى عمليات الابتزاز وتشويه السمعة والجيوش الإلكترونية السياسية وهذه ممارسات سمعنا ونسمع عنها، وان كان القانون يعاقب وبشدة مرتكبي هذه الجرائم، فلا يزال هناك من يصر على ارتكابها.. اذن من خلال تثقيف الاستخدامات، لابد من شرح القانون وتوضيح العقوبات التي تردع من يفكر بارتكاب الابتزاز او غيره من الجرائم الالكترونية.
وبالموازاة مع حملة او حملات التثقيف، نحتاج الى معرفة العقبات التي تواجه “الرقمنة”، لابد من الاشارة الى ان قمة المعلومات الرقمية الدولية او “الرقمنة” بدأت في الانعقاد منذ ٢٠٠٣، وفي كل مؤتمر تتم مناقشة العقبات وصولاً الى الحوكمة تماما.. لذلك لابد من القول ان دول العالم فيما بينها بحاجة ماسة الى التعاون لمساعدة الدول المتلكئة أو التي لا تمتلك الخبرة والموارد المالية الكافية، لشراء مستلزمات التحوّل الرقمي، وهذه من بين العقبات.
ومما لاشك به ان عقبة مهمة تواجه المجتمع العراقي وهي في هذا العدد الكبير من الموظفين او العاملين في الحقل العام، والعدد في ازدياد سنة بعد اخرى، بينما قد تتطلب “الرقمنة” عدداً قليلاً من الموظفين في المؤسسات العامة.. اذن كيفية تجاوز هذه العقبة؟ تحدثنا وكتبنا مراراً وبمرارة ايضاً عن زج الشباب في مشاريعهم الخاصة من خلال قروض صغيرة، على ان يدخل هؤلاء الشباب في دورات مكثفة، لمعرفة الادارة الناجحة خاصة لرأسمال الصغير.
هل تم الاستماع الينا جيداً، اخشى ان يكون الجواب بالنفي.. ان “الرقمنة” او ان تتم المعاملة معها اجتماعياً بشفافية فانها ستؤدي الى عدم مساواة اجتماعية، اذن لابد من دراسات حقيقية لوضع العراق، ووضع خطط كفيلة بالنجاح بدون خسارة الشريحة الاهم في مواردنا البشرية، وهم الشباب.
ولإنجاح “الرقمنة”، لابد من شركات “انترنت” رصينة مع تحسين خدماته، لان اي خلل او بطء يعني ان يخسر، نصرف مثلاً، ملايين الدنانير أو الدولارات، وان يخسر، مثلاً، باحث ما فرصته في التحدث الى مؤتمر، أو ببساطة ان يفقد الطالب درسه او محاضرته وهكذا في كافة المجالات الاخرى.. ولابد من القول ان الشركات الاكثر ربحا في العالم هي التي تحولت الى “الرقمنة”، وهذا المثل وليس للحصر.
لقد اصبح واضحاً ان السبب وراء الفشل الذي يواجه مجتمعنا في مجالاته العديدة، هو عدم وجود رؤية “هدف” وخطط للتنفيذ.. اذن، لابد من رؤية واضحة للتحول الرقمي، ومن ثم وضع الخطط للبدء في التنفيذ..!